هل تخيلت يومًا ما وأنت مقبل على إحدى البنوك لتضع بها أموالك، كيف نشأت تلك البنوك؟ ومن أين جاءت فكرة تأسيسها؟ ولماذا نثق بها ونذهب إليها ونودع ما جنيناه من نقود، دون أن يكن لدينا أدنى قلق؟

لكي نتعرف على قصة ظهور البنوك في العالم، لابد أن نرجع قرونًا عديدة للوراء، بل إلى أبعد من ذلك بكثير، إلى عصر ظهور النقود في العالم، التي تمثلت في بادئ الأمر في العملات المعدنية، التي حلت كوسيلة للتجارة بين الأشخاص بدلًا من نظام المقايدة. 

ظهور النقود في العالم

كل المجتعات الإنسانية في العالم، كانت تتعامل قديمًا بنظام “المقايدة”، أي أنني سأعطيك سلعة معينة، مقابل أن تعطيني أنت سلعة أخرى، على سبيل المثال أنت ستعطيني بعض الفواكه، مقابل أن تأخذ مني بعض اللحوم.

ولقد ظلت البشرية على هذا الحال قرونًا عديدة، إلا أنه مع اكتشاف الإنسان للمعادن مثل الذهب والفضة والنحاس وغيرها، تغير نظام المقايدة كوسيلة للشراء والبيع، وأصبحت المعادن هي وسيلة التجارة الجديدة بين البشر.

وكان الذهب أغلى المعادن، فتم صناعة العملات المعدنية التي أطلق عليها “نقود” منه، لأن قيمته عالية وثابتة عن أي عملة يمكن المقايضة بها .

العمال الذين كانوا يعملون في صناعة النقود من الذهب، كان يطلق عليهم الصيارفة، ويمكن القول أنهم السبب في ظهور البنوك في العالم.

من أين جاءت كلمة بنك؟

كان الصيارفة الذين يعملون في صناعة النقود، يضعون العملات الذهبية التي يصنعونها على طاولة معينة أطلقوا عليها اسم “بانكو” وهي كلمة إيطالية الأصل، وقد تطورت مع الوقت لتصبح في نهاية الأمر “بنك”.

في العصور الوسطى، ومع ظهور طبقة النبلاء والأمراء وكبار التجار في أوربا، والذي أصبحوا أثرياء جدًا ومعهم أموال طائلة، لا يعرفون إلى أين يذهبون بها، وكيف يخزنونها، فبحثوا عن أماكن أمنة لحفظ أموالهم تلك، وخطر ببالهم أن يحفظوها لدى الصيارفة.

ومع الوقت أصبحت كل الأموال تتجمع لدى الصيارفة، الذين صاروا يحفظون نقود الأشخاص الأغنياء لديهم، مقابل أن يحصلوا على أجر بسيط، إلا أنهم أدركوا مع الوقت أن هؤلاء الأثرياء لا يسحبون أموالهم، وإنما يضيفون عليها من حين لأخر.

وبدأ الصيارفة يضعون حسابًا دقيقًا للأموال التي لديهم، ووجدوا أن الأثرياء الذين يضعون أموالهم لديهم، لا يسحبون في العام الواحد أكثر من 10% من نقودهم، لذا فكر الصيارفة في استثمار ال 90% الباقيين، وبدأوا يقرضون العملات الذهبية للأشخاص العاديين، مقابل أن يردوها بعد وقت محدد، ولكن بزيادة معينة متفق عليها فيما بينهم أثناء إقراض المال، وبهذا الأمر صار الصيارفة يتكسبون مبالغ طائلة من وراء الإقراض.

الإيطاليون هم مؤسسو أولى البنوك في العالم

مع نهاية القرن الرابع عشر، خطر ببال الصيارفة الإيطاليين فكرة إنشاء أماكن معينة يضعون بها الإموال التي يودعها الأثرياء لديهم، وأطلقوا على هذه الأماكن اسم “بانكو” وهي ما تتطورت فيما بعد إلى “بنك”، وقد تم إنشاء أول بنك في العالم بمدينة “فلورنسا” الإيطالية، وكان اسمه “بنك ميديشي”، وقد أسسه رجل إيطالي يدعى جوفاني ميديشى عام 1397، وهو ينتمي إلى أثرى عائلات أوربا وقتها.

في عام 1587، تأسس بنك أخر في إيطاليا في مدينة البندقية وأطلق عليه اسم “بانكو ريالتو”، كما أنشئ في عام 1609 “بنك أمستردام” وهو أول بنك في  هولندا، وعام 1619 ظهر في إيطاليا أيضًا “بانكو دي جيرو”، وبدأت تنتشر البنوك في معظم أوربا، إلا أن “بانكو دي جيرو” كان مختلف عن الباقيين.

إذ إن “بانكو دي جيرو” كان أول بنك يصنع شهادات بقيم معينة لأصحاب الأموال المودعين لديه، وهي عبارة عن ورقة  تحمل على سبيل المثال قيمة 10 عملات ذهب، ويتعهد البنك بدفع قيمة المبلغ المكتوب في هذه الورقة، ومع الوقت بدأ تداول تلك الأوراق وكأنها أوراق نقدية، وأصبح مجمل التعامل بها، في حين ظلت النقود الحقيقة من العملات الذهبية لدى البنوك، وقد أطلق على هذه الأوراق في أوربا اسم “بنك نوتة”، وهو ما عرف في البلدان العربية فيما بعد باسم “بنكنوت”.

تطور البنوك في العصر الحديث

ظلت التعاملات بنظام “البنك نوتة” سائدًا في معظم بلدان العالم، حتى الحرب العالمية الأولى، إلا أنه بعد ذلك استحدثت البنوك نظام “الشيكات” المعروف حاليًا، ومع “البنك نوتة” و”الشيكات”، نسي المودعون تقريبًا أموالهم الحقيقة، وظلت البنوك محتفظة بالذهب الذي لديها.

ومع الوقت أصبح جميع الأشخاص في العالم يثقون في البنوك، ويذهبون ويضعون أموالهم فيها، وزادت سطوة البنوك في العالم، وانتقلت من إقراض الأشخاص العاديين، إلى إقراض الحكومات والدول، أيضًا بدأت العديد من حكومات الدول، في تأسيس بنوك خاصة بها لتنظيم العمليات المصرفية فيها، إذ أن معظم البنوك التي كانت في العالم وقتها كانت ملك لأفراد وأسر بعينها، مثل عائلة “روتشيلد” اليهودية التي كانت تمتلك بنوكًا في معظم دول أوربا، وكانت تقرض الحكومات والدول وتفرض عليها سياسات مالية معينة وتحدد قيمة العملات في الدول التي تقرضها، إلى أن أصبحت مع الوقت تتحكم في اقتصاديات العالم.