أحد أشهر سلاطين الدولة العُثمانية، حكم 48 عام وصارت الدولة العُثمانية في عهده في أقوى حالتها واتسعت فيا رقعهة الدولة الإسلامية ، هو سليمان القانوني بن سليم، لقبه الغرب " سليمان العظيم"، ويُعتبر صاحب أطول فترة حُكْم بين السلاطين العثمانيين، يعتبر بعض المؤرخين هذا السلطان أحد أعظم الملوك لأن نطاق حكمه ضم الكثير من عواصم الحضارات الأخرى كأثينا وصوفيا وبغداد ودمشق وإسطنبول وبودابست وبلغراد والقاهرة وبوخارست وتبريز وغيرها.

الموُلِد والنشأة:
وُلِدَ سليمان القانوني في مدينة طرابزون عام (900هـ - 1495م)، وقد كان والده آنذاك واليًا عليها، واهتمَّ به والده اهتمامًا عظيمًا؛ فنشأ محبًّا للعلم والأدب والعلماء والأدباء والفقهاء، واشتهر منذ شبابه بالجدية والوقار.

توليه الخلافة:
تولى سليمان القانوني الخلافة بعد موت والده السلطان سليم الأول في 9 من شوال 926هـ، وبدأ في مباشرة أمور الدولة، وتوجيه سياستها، وكان يستهلُّ خطاباته بالآية الكريمة: {إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} النمل، وقد كانت الأعمال التي أنجزها السلطان في فترة حكمه كثيرة وذات شأن في حياة الدولة.

محاولات الإنقلاب على سليمان القانوني:
لما تولى سليمان القانوني أمر الخلافة كان عمره وقتها نحو 26 عام، وقد إعتقد بعض الراغبين في أمر الخلافة أن الفرصة سانحة لتحقيق أحلامهم، لكن فاجأتهم عزيمة السلطان القويَّة التي لا تلين، فقضى على تمرُّد جان بردي الغزالي في الشام، وأحمد باشا في مصر، وقلندر جلبي في منطقتي قونية ومرعش؛ الذي كان شيعيًّا، وبذلك يكون سليمان القانوني قد نجح في بسط هيبة الدولة، والضرب على أيدي الخارجين عليها من الولاة الطامحين إلى الاستقلال.

جهاد سليمان القانوني:
ما إن تولى سليمان القانوني الخلافة بد أبية إلا وقد وضع خطة مُحكمة لزيادة رقعة الدولة الإسلامية من خلال الفتوحات، فاستولى على بلجراد سنة 927هـ، وحاصر فيينا سنة 935هـ، لكنه لم يُفلح في فتحها، وأعاد الكَرَّة مرَّة أخرى، ولم يكن نصيبها أفضل من الأولى، وضمَّ إلى دولته أجزاءً من المجر بما فيها عاصمتها بودابست، وجعلها ولاية عثمانية.
كما واجه العثمانيون في عهده نفوذَ البرتغاليين في المحيط الهندي والخليج العربي، فاستولى أويس باشا والي اليمن على قلعة تعز سنة (953هـ= 1546م)، ودخلت في عهده عُمَان والأحساء وقطر ضمن نفوذ الخلافة العثمانية، وأدَّت هذه السياسية إلى الحدِّ من نفوذ البرتغاليين في مياه الشرق الأوسط، وفي إفريقيا دخلت ليبيا، والقسم الأعظم من تونس، وإريتريا، وجيبوتي، والصومال ضمن نفوذ الخلافة العثمانية.

تطوير الجيش في عهده:
لم يكن سليمان القانوني مجرد خليفة المسليمن فحسب وإنما كان قائداً عسكرياً بامتياز، قاد القانوني بنفسه ثلاث عشرة حملة عسكرية كبرى وفتح بنفسه 360 حصنا و قلعة، وقد بلغ الجيش في عهدة درجة عالية من القوة بحيث كانت تخشاه جميع الجيوش فقد حاولت إسبانيا احتلال هولندا فطلب ملك هولندا وقتها المساعدة من السلطان سليمان القانوني فأرسل له أربعين بدلة من لباس الجيش الإنكشاري ليلبسها الجنود الهولنديون في المعركة وعندما شاهدها الأسبان ظنوا أن العثمانيين يحاربون بجانب الهولنديين فتوقفت اعتداءاتهم ثلاثين عاما.
كان جيش سليمان القانوني منظما فلم يكن هناك فرق بين جندي وفارس وقائد إلا في حدود الرتبة والمكانة العسكرية. لا مجال للتطاول والعدوان على أهل البلدان التي يمرون عليها .. فإذا اشتروا شيئًا من أهل بلدة لابد من دفع ثمنه.. وإذا قام أحد الأهالي بخدمة أو مهمة مهما كانت بسيطة لابد من أن يأخذ أجره . وإذا تسبب الجيش أثناء مسيره في عطب، أو أحدث أي خسائر لأحد، فلابد من تعويضه ولابد من إصلاح ذلك العطب.. بل قام الجيش العثماني أثناء تنقلاته بإصلاح وترميم الطرق والجسور التي في حاجة إلى إصلاح وترميم.
كانت البحرية العثمانية قد نمت نموًّا كبيرًا منذ أيام السلطان بايزيد الثاني، وأصبحت مسئولة عن حماية مياه البحار التي تطل عليها الدولة، وفي عهد سليمان ازدادت قوَّة البحرية على نحو لم تشهده من قبل؛ وذلك بانضمام (خير الدين بربروس)، وكان يقود أسطولاً قويًّا يُهاجم به سواحل إسبانيا والسفن الصليبية في البحر المتوسط، وبعد انضمامه إلى الدولة منحه السلطان لقب (قبودان).
واتَّسع نطاق عمل الأسطول العثماني فشمل البحر الأحمر؛ حيث استولى العثمانيون على سواكن ومصوع، وأخرجوا البرتغاليين من مياه البحر الأحمر، واستولوا على سواحل الحبشة؛ وهو ما أدَّى إلى انتعاش حركة التجارة بين آسيا والغرب عن طريق البلاد الإسلامية.

إهتمام سليمان القانوني بالثقافة والعلم:
كان السلطان سليمان القانوني شاعرًا له ذوق فني رفيع، وخطَّاطًا يُجيد الكتابة، ومُلمًّا بعدد من اللغات الشرقية من بينها العربية، وكان له بصر بالأحجار الكريمة، مغرمًا بالبناء والتشييد، فظهر أثر ذلك في دولته، فأنفق بسخاء على المنشآت الكبرى؛ فشيَّد المعاقل والحصون في رودس وبلجراد وبودا، وأنشأ المساجد والصهاريج والقناطر في شتَّى أنحاء الدولة، وبخاصة في دمشق ومكَّة وبغداد، بالإضافة إلى ما أنشأه في عاصمته من روائع العمارة.
في منتصف القرن السادس عشر كان في الأناضول مئات المدارس التي تخرج القضاة، وفي عام 1529 كان يوجد في أدرنة أربع عشرة مدرسة بعد إنشائه للعديد من المدارس وضع لها نظاما للدراسة والعمل فيها؛ فقد نظّم السلطان سليمان التعليم في تلك المدارس في اثنتي عشرة درجة، ولكل درجة اسمها الخاص، وعلى كل طالب أن يحصل على "إجازة" قبل أن ينتقل إلى الدرجة التالية، وعندما يصل إلى الدرجة السادسة "صحن الثمان" فإنه يُسمح له أن يعمل "مساعد مدرس" في الدرجات الأولى، ويعيد مع الطلاب ما كانوا قد أخذوه من أساتذتهم، ويُسمى "معيدًا ".

إهتمام سليمان القانوني بالقانون والإدارة:
الذي اشتهر به السلطان سليمان القانوني واقترن باسمه هو وضعه للقوانين التي تُنَظِّم الحياة في دولته الكبيرة؛ هذه القوانين وضعها مع شيخ الإسلام أبو السعود أفندي، وراعى فيها الظروف الخاصة لأقطار دولته، وحرص على أن تَتَّفق مع الشريعة الإسلامية والقواعد العرفية، وقد ظلَّت هذه القوانين - التي عُرفت باسم «قانون نامه سلطان سليمان»؛ أي دستور السلطان سليمان - تُطَبَّق حتى مطلع القرن الثالث عشر الهجري الموافق التاسع عشر الميلادي.
ولم يُطلق الشعبُ على السلطان سليمان لقب القانوني لوضعه القوانين؛ وإنَّما لتطبيقه هذه القوانين بعدالة؛ ولهذا يعدُّ العثمانيون الألقاب التي أطلقها الأوربيون على سليمان في عصره -مثل: الكبير، والعظيم- قليلة الأهمية والأثر إذا ما قُورنت بلقب (القانوني)، الذي يُمَثِّل العدالة، ولم يكن عهد سليمان القانوني العهد الذي بلغت فيه الدولة أقصى حدود لها من الاتساع، وإنما هو العهد الذي تمَّت فيه إدارة أعظم دولة بأرقى نظام إداري.

وفاة سليمان القانوني:
في وفاه السلطان سليمان القانوني قصة عظيمة ، تكمن عظمتها فيما سطره التاريخ من جهاد وتضحية وفداء، في أواخر أيام السلطان سليمان أصابه مرض النِّقْرِس، فكان لا يستطيع ركوب الخيل؛ ولكنه كان يتحامل –رحمه الله- إظهارًا للقوَّة أمام أعدائه، وقد بلغ السلطان سليمان القانوني من العمر 74 عامًا، ومع ذلك عندما علم بأن ملك الهايسبرج أغار على ثغر من ثغور المسلمين؛ قام السلطان سليمان القانوني للجهاد من فوره، ومع أنه كان يتألَّم من شدَّة المرض، فإنَّه قاد الجيش بنفسه، وخرج على رأس جيش عرمرم في (9 من شوال 973هـ= 29 من أبريل 1566م)، ووصل إلى مدينة سيكتوار المجرية، وكانت من أعظم ما شيَّده المسيحيون من القلاع، وكانت مشحونة بالبارود والمدافع، وكان قبل خروجه للجهاد نصحه الطبيب الخاص بعدم الخروج لعلَّة النِّقْرِس التي به. فكان جواب السلطان سليمان الذي خلده له التاريخ " أحب أن أموت غازيًا في سبيل الله "
واستمرَّ القتال والحصار قرابة 5 شهور كاملة، وما ازداد أمر الفتح إلَّا صعوبة، وازداد همُّ المسلمين لصعوبة الفتح، وهنا اشتدَّ مرض السلطان، وشعر بدنوِّ الأجل، أصاب أحدُ مدافع المسلمين خزانة البارود في الحصن، فكان انفجارًا مهولًا، فأخذت جانبًا كبيرًا من القلعة فرفعته إلى عنان السماء، وهجم المسلمون على القلعة، وفُتحت القلعة، ورُفعت الراية السليمانية على أعلى مكان من القلعة.
وعند وصول خبر الفتح للسلطان فرِح، وحمد الله على هذه النعمة العظيمة، وقال: (الآن طاب الموت، فهنيئًا لهذا السعيد بهذه السعادة الأبدية، وطوبى لهذه النفس الراضية المرضية ) وتخرج روحه إلى بارئها، إلى جنة الخلد إن شاء الله في20 من صفر 974هـ، وأخفى الوزير محمد باشا نبأ وفاة السلطان؛ حتى أرسل لولي عهده السلطان سليم الثاني، فجاء وتَسَلَّم مقاليد السلطنة في سيكتوار، ثم دخل إسطنبول ومعه جثمان أبيه الشهيد، وكان يومًا مشهودًا لم يُرى مثله، إلَّا في وفاة السلطان محمد الفاتح.
علم المسلمون خبر وفاة السلطان سليمان القانوني، فحزنوا أشدَّ الحزن؛ أمَّا على الجانب الأوربي؛ فما فرح المسيحيون بموت أحدٍ بعد بايزيد الأول ومحمد الفاتح كفرحهم بموت السلطان سليمان المجاهد الغازي في سبيل الله، وجعلوا يوم وفاته عيدًا من أعيادهم، ودَقَّت أجراس الكنائس فرحًا بموت مُجَدِّد جهاد الأُمَّة في القرن العاشر رحمه الله.

مقالات متعلقة بـ : سليمان القانوني

ألبرت آينشتاين‎

ألبرت آينشتاين‎

أبو علي بن الحسن بن الهيثم‎

أبو علي بن الحسن بن الهيثم‎

الثقافة والتعليم .. علاقة تكامل أم تنافر‎

الثقافة والتعليم .. علاقة تكامل أم تنافر‎

مفهوم الثقافة والتعليم‎

مفهوم الثقافة والتعليم‎

سمات التعليم فى مجتمعات مختلفة‎

سمات التعليم فى مجتمعات مختلفة‎

من هي ملالا يوسف زاي؟‎

من هي ملالا يوسف زاي؟‎

أفضل الجامعات في العالم‎

أفضل الجامعات في العالم‎

من هو أحمد زويل؟‎

من هو أحمد زويل؟‎

من أرنستو تشي جيفارا‎

من أرنستو تشي جيفارا‎

تصفح المزيد