موهبة شعرية فذة قلًما تجد مثلها الأن في واقعنا ، أحدث طفرة حقيقية فى محتوى الشعر العربي، كان منافساً شرساً لأقرانه أمثال إسماعيل صبري، وحافظ إبراهيم، وأحمد محرم، وأحمد نسيم، وأحمد الكاشف، وعبد الحليم المصري لذلك كان أمير للشعراء بلا منازع عن رضى واختيار، فقد ملأ الدنيا بشعره، وشغل الناس، وأشجى القلوب.

الموُلد والنشأة:
وُلد أحمد شوقي بحي الحنفي بالقاهرة في السادس من أكتوبر عام 1870م ، والده من أصول شركسية وأمه من أصول يونانية، أما جدته لأمه فكانت تعمل وصيفة في قصر الخديوي إسماعيل، فكانت الأسرة على قدر من الغنى والثراء وتربى في قصر الخديوي ثم التحق بكتٌاب الشيخ صالح ، وهناك حفظ القرأ، وتعلم مبادئ اللغة العربية ثم التحق بمدرسة المبتديان الابتدائية، وأظهر فيها نبوغًا واضحًا كوفئ عليه بإعفائه من مصروفات المدرسة، وانكب على دواوين فحول الشعراء حفظًا واستظهارًا، فبدأ الشعر يجري على لسانه.

في الخامسة عشرة من عمره التحق بمدرسة الحقوق عام 1885 وانتسب إلى قسم الترجمة الذي قد أنشئ بها حديثًا، وفي هذه الفترة بدأت موهبته الشعرية تلفت نظر أستاذه الشيخ “محمد البسيوني”، ورأى فيه مشروع شاعر كبير، فشجّعه على ذلك .

السفر إلى فرنسا:
أتم دراسته فى مصر بمدرسة الحقوق لمدة عامين ثم التحق بقصر الخديوي توفيق، الذي ما لبث أن أرسله على نفقته الخاصة إلى فرنسا، فالتحق بجامعة “مونبلييه” لمدة عامين لدراسة القانون، ثم انتقل إلى جامعة باريس لاستكمال دراسته حتى حصل على إجازة الحقوق عام 1893م.

العودة إلى مصر:
بعد قضاء عامين في فرنسا درس فيها شوقى القانون والأدب والشعر ، عاد إلى مصر فوجد الخديوي عباس حلمي يجلس على عرش مصر، فعيّنه بقسم الترجمة في القصر، ثم ما لم لبث أن توثَّقت علاقته بالخديوي الذي رأى في شعره عونًا له في صراعه مع الإنجليز، فقرَّبه إليه بعد أن ارتفعت منزلته عنده، وخصَّه الشاعر العظيم بمدائحه في غدوه ورواحه، وظل شوقي يعمل في القصر حتى خلع الإنجليز عباس الثاني عن عرش مصر، وأعلنوا الحماية عليها عام 1941م ، ومن ثم أصبحت مكانة شوقى مُهددة ، وبالفعل غادر البلاد بناء على طلب الأنجليز فاختار النفي إلى برشلونة في إسبانيا، وأقام مع أسرته في دار جميلة تطل على البحر المتوسط.

النفي إلى أسبانيا:
قضى شوقي فترة النفي في تعلم اللغة الأسبانية وقراءة كتب التاريخ، خاصة تاريخ الأندلس، وعكف على قراءة عيون الأدب العربي قراءة متأنية، وزار آثار المسلمين وحضارتهم في إشبيلية وقرطبة وغرناطة ،
بالإضافة انه كتب 24 قصيدة تحتوي على 1400 بيت ، تحكي تاريخ المسلمين منذ عهد النبوة والخلافة الراشدة، على أنها رغم ضخامتها أقرب إلى الشعر التعليمي، وقد نُشرت بعد وفاته. ولاشك أنه عانى في المنفى من البُعد عن وطنه فترجم هذه المشاعر فى أبياته المعروفة :

وطني لو شُغلت بالخلد عنه نازعتني إليه في الخلد نفسي
شهد الله لم يغب عن جفوني شخصه ساعة ولم يخل حسي

العودة إلى الوطن:
لما قامت ثورة 1919 واسترد الشعب حريته واشتدت قوة الحركة الوطنية ، عاد شوقي إلى مصر 1920 ، واستقبله الشعب استقبالاً رائعًا واحتشد الآلاف لتحيته، وكان على رأس مستقبليه الشاعر الكبير " حافظ إبراهيم " ، وانقطعت علاقته بالقصر تماماً وبدلأ من أن يكون شاعر القصر أصبح شاعر الشعب المصري

التأثر بالثقاقة الإسلامية:
تأثر أحمد شوقى بالثقافة الأسلامية وأخذ شعرة يتوغل فيها بذوقه الرفيع وبيانه الجميل ، ومن أجمل ما كتب كانت " نهج البردة " والتى جاءت رداً على بردة الإمام البوصيرى رحمه الله ، ونهج البردة قد وجد إعجاباً كبيراً من أهل اللغة والدين حتى أن شيخ الجامع الأزهر الشيخ " سليم البشري " قد أفرد لها وقتاً لشرحها ، بالإضافة إلى أن " أم كلثوم " قد غنت هذه القصيدة ، والتى يقول فيها شوقي :
ريمٌ عَلى القاعِ بَينَ البانِ وَالعَلَمِ      أَحَلَّ سَفكَ دَمي في الأَشهُرِ الحُرُمِ
رَمى القَضاءُ بِعَينَي جُؤذَرٍ أَسَدًا       يا ساكِنَ القاعِ أَدرِك ساكِنَ الأَجَمِ
لَمّا رَنا حَدَّثَتني النَفسُ قائِلَةً          يا وَيحَ جَنبِكَ بِالسَهمِ المُصيبِ رُمي

وفاة شوقي:
رحل الشاعر اكبير أحمد شوقي عام 1932 بعدما ترك إرثاً أدبياً يفخر به العرب والمسلمون ، أحدث شوقي نقلة نوعية في الشعر العربي وجعل الناس تتذوق حلاوته ، إستحق أن ينال اللقب العظيم كأميراً للشعراء ، يضرب شوقي المثل الأروع في الثبات على المبادئ والتضحية من أجل القيم والحريات .

دنيا موسى:

قراءة كُل مقالات الكاتب