كانت غزوة الأحزاب في شهر شوال من السنة الخامسة من الهجرة  بمثابة تحالف كل القبائل مع اليهود ضد النبي صلى الله عليه وسلم، فخرجت قريش للثأر من النبي ولتأمين طرق التجارة الخارجية لها، واليهود من أجل الرد على طرد النبي لهم بعد نقضهم للعهد والميثاق ، وباقى القبائل إنما حقداً للإسلام والمسلمين وطمعاً في المزيد من الغنائم والثروات .

دور جهاز المخابرات قبل الغزوة:
كانت استخبارات الدولة الإسلامية على حذر تام من أعدائهم؛ لذا فقد كانوا يتتبعون أخبار الأحزاب، ويرصدون تحركاتهم، ويتابعون حركة الوفد اليهودي منذ خرج من خيبر في اتجاه مكة، وكانوا على علم تام بكل ما يجري بين الوفد اليهودي وبين قريش أولاً، ثم غطفان ثانيًا، وبمجرد حصول المدينة على هذه المعلومات الثمينة ، شرع  النبي صلى الله عليه وسلم في اتخاذ الإجراءات الدفاعية اللازمة، فدعا إلى اجتماع عاجل على أعلى مستوى،  حضره كبار قادة جيش المسلمين من المهاجرين والأنصار، بحث فيه معهم هذا الموقف

من هو صاحب فكرة الخندق ؟
أشار الصحابي سلمان الفارسي على النبي بحفر خندق، فقال " يا رسول الله، إنا إذا كنا بأرض فارس وتخوفنا الخيل، خندقنا علينا، فهل لك يا رسول الله أن تخندق؟ " فأَعجب رأيُ سلمان المسلمين ، وقال المهاجرون يوم الخندق: " سلمان منا "، وقالت الأنصار: " سلمان منا " ، فقال الرسولُ محمدٌ: " سلمان منا أهل البيت " .

عبقرية النبي في حفر الخندق:
كانت خطة النبي في الخندق متطورةً ومتقدمةً بالنسبة للعرب، إذ لم يكن حفر الخندق من الأمور المعروفة لدى العرب في ذلك الوقت، بل كان الأخذ بهذا الأسلوب غريبًا عنهم، وبهذا يكون النبي صلى الله عليه وسلم هو أولَ من استعمل الخندق في الحروب في تاريخ العرب والمسلمين، فقد كان هذا الخندق مفاجأة مذهلة لأعداء الإسلام، وأبطل خطتهم التي رسموها .

بدء الغزوة وفرض الحصار:
أقبلت قريش وكنانة في أربعة آلاف مقاتل، حتى نزلوا بمجتمع الأسيال من رومة بين الجرف وزعابة، وأقبلت غطفان وبنو أسد وسليم في ستة آلاف حتى نزلوا بذنب نقمي إلى جانب أحد ، فكان رد فعل المسلمين كما قال الله "  وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا "

وأخذ المشركون يدورون حول الخندق غضاباً، يتحسسون نقطة ضعيفة لينحدروا منها، وأخذ المسلمون يتطلعون إلى جولات المشركين، يرشقونهم بالنبل، حتى لا يجترئوا على الاقتراب منه، ولا يستطيعوا أن يقتحموه، أو يهيلوا عليه التراب، ليبنوا به طريقاً يمكّنهم من العبور .

وفي أثناء فرض الحصار ، حاول المشركون في بعض الأيام محاولة بليغة لاقتحام الخندق، أو لبناء الطرق فيها، ولكن المسلمين كافحوا مكافحةً شديدةً، ورشقوهم بالنبل وناضلوهم أشد النضال حتى فشل المشركون في محاولتهم. ولأجل الاشتغال بمثل هذه المكافحة الشديدة فاتت بعض الصلوات عن النبي وأصحابه، فقد وَجَّهَ المشركون كتيبةً غليظةً نحو مقر الرسول، فقاتلهم المسلمون يومًا إلى الليل، فلما حانت صلاة العصر دنت كتيبةٌ، فلم يقدر الرسولُ ولا أحدٌ من أصحابه الذين كانوا معه أن يصلوا، وشغل بهم الرسول فلم يصل العصر، ولم تنصرف الكتيبة إلا مع الليل، فقال " ملأ الله عليهم بيوتهم وقبورهم نارًا، كما شغلونا عن الصلاة الوسطى حتى غابت الشمس "

غدر يهود بني قريظة للإتفاق:
لم يهدأ زعيم يهود بنو النضير حيي بن أخطب بعدما جمع القبائل على النبي وأصحابه ، فذهب إلى زعيم يهود بنى قريظة كعب بن أسد القرظي حتى يُكلمه في نقض العهد مع النبي والأنضمام إلى حلفهم ، وأقنعه بأنهم اليوم في قوة وكثرة من المال والعتاد ، رفض زعيم بنى قريظة في أول الامر وقال إنى لم أر من محمدً سوء ، ومازال حيي بن أخطب يُقنعه حتى كال إلى رأيه وانضم إلى حلف الأحزاب ونقض العهد مع النبي صلى الله عليه وسلم .

تعامل النبي مع خبر غدر بنى قريظة:
إستقبل الرسولُ غدر بني قريظة بالثبات والحزم واستخدام كل الوسائل التي من شأنها أن تقوي روح المؤمنين وتصدع جبهات المعتدين، فأرسل في الوقت نفسه سلمة بن أسلم في مئتي رجل، وزيد بن حارثة في ثلاثمائة رجل، يحرسون المدينة، ويظهرون التكبير ليرهبوا بني قريظة، وفي هذه الأثناء استعدت بنو قريظة للمشاركة مع الأحزاب، فأرسلت إلى جيوشها عشرين بعيرًا كانت محملة تمرًا وشعيرًا وتينًا لتمدهم بها وتقويهم على البقاء، إلا أنها أصبحت غنيمة للمسلمين الذين استطاعوا مصادرتها وأتوا بها إلى النبي .

مفاوضة غطفان:
أراد النبي أن يخفف من وطأة  الحصار ، فقرر مفاوضة بنى غطفان على أن تترك الأحزاب وترجه إلى بلادها وذلك مقابل أ، يأخذوا شيئاً من ثمار المدينة ، ولاسيما وأن غطفان ليس لها في تلك الغزوة هدف وإنما حباً في المال والغنائم ، وافقت غطافان على الصلح والإنسحاب ولكن سيدا الأنصار ( سعد بن معاذ وسعد بن عبادة ) رفضوا ذلك واعتبروا ذلك إعطاء للدنية وكسرة لشوكتهم ومكانتهم وقالوا لغطفان ليس لكم عندنا إلا السيف ، وفشل التفاوض .

إشتداد الخناق على المسلمين:
استمرت غزوة الخندق والحصار مضروب، فما مضت أسابيع ثلاثة على ذلك الحصار حتى دب القنوط والتخاذل في صفوف المهاجمين، على حين بقيت جبهةُ المسلمين سليمةً لم تثلم، ومع كثرة الأحزاب وتحرشاتهم ومناوشاتهم المستمرة طيلة تلك المدة إلا أنه لم يقتل من المسلمين إلا عدد قليل.

تأزم الموقف جدًّا لم يعد في الصف المسلم أحد من المنافقين، وبذل المسلمون جهدهم كله، حفروا الخندق في وقت قياسي، تحملوا في سبيل الله الجوع والبرد، حموا الخندق، ودافعوا عنه بأرواحهم، قاتلوا بضرواة، تعبوا، كافحوا ، قاموا بالمشاورات، واجتهدوا في الدعاء ، بعد أن بذل المسلمون كل طاقتهم، ووسعهم ومحاولاتهم، يأتيهم نصر الله، ولا شك، ويأتيهم بطريقة إلهية، وترتيب رباني، حتى يعلم الجميع، ويوقنوا أن النصر من عند الله، وجاء جنود الرحمن في الأحزاب وهم : نُعيم بن مسعود و الريح والملائكة .

أولاً نُعيم بن مسعود:
جاء نعيم بن مسعود إلى الرسول ليخبره بإسلامه فقال : يا رسول الله، إني قد أسلمت وإن قومي لم يعلموا بإسلامي، فمرني ما شئت ، هنا تجلى التخطيط العسكري وكان التكليف من النبي هو : إِنَّمَا أَنْتَ رَجُلٌ وَاحِدٌ، فَخَذِّلْ عَنَّا مَا اسْتَطَعْتَ، فَإِنَّ الْحَرْبَ خُدْعَةٌ . وبالفعل إنطلق نُعيم على الفور وأحدث الوقيعة بين قريش ويهود بنى قريظة ، وبين يهود بنى قريظة ويهود بنى النضير ، ووقع الجميع في الفخ ، فدبت الفرقة بينهم وتفتت الأحزاب، وهكذا، بحكمة الله وتدبيره، يسلم نعيم بن مسعود في هذا الوقت، ويلهمه الله بالفكرة التي ينجح بها في تفتيت الأحزاب، ورد كيدهم .

ثانياً الريح:
الريح جندي هائل من جنود الرحمن، وأرسل الله ريحًا شديدة وقاسية البرودة على معسكر الكافرين لم تترك لهم خيمة إلا واقتلعتها، ولم تترك قِدرًا إلا قلبته، ولم تترك نارًا إلا أطفأتها، ووصلت شدة الريح وخطورتها إلى الدرجة التي دفعتهم لأخذ قرار العودة دون قتال وفك الحصار .

ثالثأ الملائكة:
شاركت الملائكة بل وشارك جبريل نفسه في تلك الغزوة المباركة " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا " الاحزاب ، وتم نصر الله وأرسل رسول الله حذيفة بن اليمان إلى معسكر الكفار ليطمئن على سير الأحداث، وعلى فعل الرياح بهم وعلى أثر الفرقة التي أحدثها نعيم بن مسعود فعاد حذيفة بالخبر الجميل وبالنصر العظيم لقد عزم الجميع على الرحيل ، كل ذلك بدون قتال .

جاء النصر:
وانتهت واحدة من أعظم معارك المسلمين مع أنه لم يحدث فيها قتال، وكان الله يريد أن يقول لنا، ليس المطلوب هو تحقيق النصر، ولكن المطلوب هو العمل من أجله، المطلوب هو قرار الجهاد، والثبات في أرض المعركة، المطلوب هو صفات الجيش المنصور، أما النصر فينزل بالطريقة التي يريدها رب العالمين، وفي الوقت الذي يريده الله .

مقالات متعلقة بـ : أحداث غزوة الأحزاب

ما هى الديمقراطية؟ .. النشأة و التعريف‎

ما هى الديمقراطية؟ .. النشأة و التعريف‎

محمد رشيد رضا‎

محمد رشيد رضا‎

هجرة الرسول إلى المدينة‎

هجرة الرسول إلى المدينة‎

من هو الإمام محمد بن إدريس الشافعي‎

من هو الإمام محمد بن إدريس الشافعي‎

ما هو زواج المتعة‎

ما هو زواج المتعة‎

ماذا تعرف عن الشيوعية‎

ماذا تعرف عن الشيوعية‎

من هو الإمام محمد عبده‎

من هو الإمام محمد عبده‎

العلمانية .. النشأة والتطور‎

العلمانية .. النشأة والتطور‎

الدين والدنيا واقع متلازم‎

الدين والدنيا واقع متلازم‎

تصفح المزيد