لم تيأس غريزة البشرية من فكرة الإنتقال من مكان لمكان آخر عبر الجو، منذ محاولة العالم المسلم الأندلسي عباس بن فرناس الطيران في فترة حياته التي عاشها ( 810- 887 ميلاديًا) حتى حققها فعليًا المخترعان الأمريكيان الأخوان رايت Wright brothers باختراعهما المذهل الذي غيّر ملامح التاريخ، وأضاف لقدرات الإنسان قدرة أخرى كانت تعتبر في وقت من الأوقات محض خيال.
فهرس:
- بداية حياة الأخوان رايت مخترعي الطائرة
- دخول الأخوان رايت مجال تصنيع الطائرة
- باب الشهرة ينفتح للأخوان رايت
- الوفاة وإرث الأخوان رايت
ويلبور وأورفيل رايت هما أول من اخترعا الطائرة بمفهومها الحديث، وهما مخترعين أمريكيين الجنسية وأول طيارين في التاريخ. في عام 1903 نجح الأخوان رايت في تصنيع أول طائرة تعمل بالطاقة، ويمكن قيادتها، وبعد مرور عامين فقط تمكنا من تطوير تلك الطائرة وغيروا ملامحها تماما حتى قاموا بأول رحلة كاملة بالطائرة العملية بمفهومها الحديث.
بداية حياة الأخوان رايت مخترعي الطائرة
ولد ويلبر رايت في 16 أبريل 1867 بالقرب من ميلفيل بولاية إنديانا. وكان الطفل الأوسط لعائلة مكونة من خمسة أطفال، لأبيه ميلتون رايت الذي كان يعمل أسقفا في كنيسة يونايتد بريثن إن كرايست ( الإخوة المتحدين في المسيح)، ووالدته هي سوزان كاثرين كورنر.
وبعد مرور 4 سنوات من مولد ويلبر رايت، ولد أخيه الأصغر أورفيل رايت عام 1871. اصطحب ميلتون رايت ولديه الأخوان رايت في كثير من الأحيان إلى الكنيسة، وكان عادة ما يشتري لهم ألعابا صغيرة. وفي عام 1878 اشترى لولديه نموذج لطائرة مروحية مصنوعة من الفلين والخيزران والورق، ومدعومة بشريط مطاطي لشفراتها، كان قد صممها رائد الطيران الفرنسي “ألفونس بيوند Alphonse Pénaud” كلعبة شهيرة في هذا الوقت، وكانت هذه بمثابة الشرارة التي أشعلت حب الأخوان رايت للطيران وكيفية التحليق في الجو بعيدًا عن الأرض.
ويلبور كان ولدا ذكيًا متفوقا في دراسته، ذو شخصية قوية جدًا وكان يأمل أن يلتحق بجامعة يال بعد نجاحه في المرحلة الثانوية، وفي شتاء عام 1885-1886 م غير حادث مسار حياة ويلبر، حيث أصيب اصابة بالغة الخطورة أثناء ممارسته مباراة هوكي الجليد حينما ضربه لاعب آخر بالعصا في وجهه.
وعلى الرغم أن جراحه التئمت إلا أن هذه الحادثة أصابته بنوبة اكتئاب شديدة، أدت إلى عدم حصوله على شهادة الثانوية العامة، وألغى جميع خططه للإلتحاق بالجامعة، وظل متواجدًا في منزل أسرته.
وقضى ويلبور هذه الفترة في المنزل يقرأ كتب عائلته التي كانت تمتلك مكتبة رائعة ويعتني بأمه المريضة سوزان كورنر التي توفيت عام 1889 من مرض السلّ.
وفي عام 1889 أنشأ الأخوان رايت جريدتهم الخاصة ( ويست سايد نيوز West Side News ) حيث ترأس ويبور رئاسة تحريرها، بينما أورفيل كان الناشر، وشاركا الاخوان رايت شغفهما بالدراجات التي كانت عبارة عن هوس لمهاويس الحركة والرياضة اجتاح الولايات المتحدة في ذلك الوقت لدرجة أن ويلبور وأورفيل افتتحا ورشة لبيع دراجات من تصميمهما الخاص وإصلاحها عام 1892.
دخول الأخوان رايت مجال تصنيع الطائرة
نظرًا لعمل الأخوان رايت على مشاريع ميكانيكية مختلفة، ومتابعة البحوث العلمية التي كانت تنشر في ذلك الوقت فقد تابع عن كثب الاخوان رايت البحث العلمي الشهير للطيار الألماني أوتو ليلينثال Otto Lilienthal .
لدرجة أنه حينما توفى الطيار الألماني أوتو ليلينثال في حادث تحطم طائرة شراعية، قرر الأخوان رايت بدء تجاربهم الخاصة في تصميم طائرة لرحلتهم الأولى، واتجها إلى حي كيتي هوك Kitty Hawk ، في نورث كارولينا المعروف برياحه العاتية.
نجح الأخوان رايت في تصميم أجنحة الطيران، ولاحظا أن زوايا أجنحة الطيور تحقق التوازن والتحكم في جسم الطائر لذلك حاولوا محاكاة ذلك، وحصلوا على براءة اختراع في انشاء مصطلح (الجناح المعوج Wing warping) حيث أضافوا دفّة متنقلة ومتحركة للأجنحة لتوجيه الطائرة والحفاظ على اتزانها في الجو.
وفي 17 ديسمبر 1903 نجح الأخوان رايت في القيام بأول رحلة حرة لهم باستخدام طائرة يمكن السيطرة عليها والتحكم بها، وتعمل بالوقود وكانت أثقل من الهواء، وطائر بها ويلبور لمدة 59 ثانية قاطعا 852 قدمًا كان وقتها يعتبر إنجازًا استثنائيا.
وسرعان ما وجد الأخوان رايت أن نجاحهما لم يكن موضع تقدير من الجميع، فالصحافة في ذلك الوقت وزملائهم من خبراء الطيران كانوا يتشككون في استمرارية نجاحهما في مواصلة التطوير للوصول إلى اختراع الطائرة التي تحمل البشر وتنتقل من مكان لآخر عبر الجو.
ونتيجة لذلك سافر ويلبور رايت إلى أوروبا عام 1908 أملًا في أن ينجح في إقناع الجمهور بالطائرة الأولى التي اخترعها هو وأخيه ويبيعها لهم.
باب الشهرة ينفتح للأخوان رايت
في فرنسا وجد ويلبور جمهورا أكثر إقبالا على طائرته، فقام بالعديد من الرحلات الجوية القصيرة التي كانت تعتبر ابهارا في ذلك الوقت أمام الكثير من الشخصيات العامة ورجال الدولة والصحفيين.
وفي عام 1909 انضم أورفيل إلى شقيقه في أوروبا، وكذلك شقيقتهما الصغرى كاثرين، وأصبح الأخوان رايت من المشاهير هناك في أوروبا لدرجة استضافتهم من قبل الحكام ورؤوساء الدول، وظهرت صورهم في الصحافة بكثرة.
واستغل الأخوان رايت ذلك كحملة دعائية لبيع طائراتهم في أوروبا قبل عودتهم إلى الولايات المتحدة عام 1909، وأصبحا من رجال الأعمال الأثرياء بعقود بيع طائرات في كل من أوروبا والولايات المتحدة.
ويلبر وأورفيل رايت دائمًا ما كانا يتشاركان الاشادة على ابتكارتهما، وحافظا على حسن العلاقة بينهما طوال حياتهم، لكن وراء الكواليس كان هناك تقسيم مناسب للعمل حيث كان ويلبر هو العقل التجاري والتنفيذي للعملية بالكامل، حيث شغل منصب رئيس شركة رايت.
الوفاة وإرث الأخوان رايت
مرض ويلبور في رحلة إلى بوسطن في ابريل 1912 م وتم تشخيص مرضه باصابته بحمى التيفوئيد، وتوفى في 30 مايو من نفس العام في منزل عائلته بـ دايتون بولاية أوهايو، وكتب ميلتون رايت في مذكراته يقول فيها: ” الحياة قصيرة، ومليئة بالأحداث، والفكر لا ينضب، والمزاج لا يتم ازعاجه، والإعتماد على الذات كبير، لكن التواضع أكبر”.