المغول بداياتهم كانوا عبارة عن مجموعة من القبائل متفرقة ما بين روسيا ومنغوليا حاليا وتجمعهم اللغة المنغولية، وهُم رُحل لا يقيمون في مكان واحد، وظلوا متفرقين هكذا حتى وحدهم البطل جنكيزخان بالاضافة إلى الترك في القرن الثالث عشر ميلاديا.
جنكيز خان كان وقتها زعيم قبيلة اسمها قيات، ورث حكمها من أبيه وتوسع في القبائل المجاورة.
وأعجب رجل كان يدعى اونك خان كان زعيم قبيلة اسمها سقيف أكبر قبائل المغول، بجنكيزخان وقربه منه وبمجرد أن وجد نفوذ جنكيز خان تزداد أصيب بالقلق الشديد منه وبدأ يحاربه هو وقبيلته لكن جنكيز خان انتصر عليه وضم لنفسه حكم قبيلة سقيف الكبرى وبدأ يتوسع في الشرق نحو الصين وشرق آسيا.
من مقولات جنكيز خان: " من أطاعنا ورضي أدخل في رعايتنا ومن تمرد وتجبر ندمره بسياط البلاء".
في الواقع أن جنكيزخان كان لم يكن همجي وسفاك دماء بصورة عشوائية، بل كان حكيما في تعاملاته مع اعداءه لكن الكتاب العرب ساهم في تصوير المغول وجنكيزخان بأنهم همج هم الكتاب العرب الذين رغبوا في تعظيم النصر، حيث كانوا يهولون من العدو بصورة زائدة من أجل التهوين من خسائر المسلمين وتعظيم الانتصار وتمجيد من هزم التتار.
المغول كانوا مقاتلين أشداء لكن انهزموافي أكثر من موقعة وكانوا مجرمين في الحرب وما فعلوه في المدن التي قاومتهم كان شيء مخيف للغاية، وفعلا اكتسحوا الدول الاسلامية في ذلك التوقيت اكتساحا.
وقال المؤرخون إن المغول كانوا ينتصرون بصورة سريعة وعنيفة جدًا.
قانون الياسق أو الياذة
كان دين أو دستور اخترعوا جنكيزخان ملك المغول من أجل حكم امبراطوريته الممتدة، واعتمد بالاساس على الدين الاسلامي مع خلطة من المسيحية واليهودية، وبعض المفاهيم من ثقافات وشرائع المدن التي يحتلها.
مساحة امبراطورية المغول كانت تقدر بضعف المساحة التي حكمتها الامبراطورية الرومانية والاسكندر الاكبر، ومن أجل ضبط هذه المساحة، تم تشريع قانون اللياذق وكان الهدف منها ألا يصطدم هذا القانون مع معتقدات الشعوب التي يحكمها، وفي نفس التوقيت يفرض سيطرة جنكينزخان، بالاضافة إلى إغراء الشعوب المهمشة التي لا تملك الرأي أو قيمة في العالم أنه مع حكم المغول سيتم معاملتهم بتحضر وقيم مع أكبر دولة في العالم وقتها، وأنهم سيرون بعينهم تطبيق لعدل الاسلام والمسيحية واليهودية وكل الشرائع التي بها عدل ولكن بلا حكام مسلمين أو مسيحيين أو يهود فيصاب الشعوب بانفصام ذهني وتنسلخ الشعوب من أي دين أو قومية أو شريعة تنتمي لها وترمي نفسها في أحضان المغول والياسق ليحقق لهم ما لم يحققه لهم حكامهم الذين يقولون شعارات دينية مجوفة لم يكن لها أي مردود في حياتهم. وكان رد المغول واضح وهو الياسق أو الموت.
أهم ما ينص عليه قانون الياسق
- تعظيم جميع الملل دون التعصب لملة أو أخرى.
- جنود الجيش التتري عليهم ما على الرعية من المؤنة والكفتة ( الضرائب).
- حكومة جنكيزخان في كل بلد كانت تكنوقراط فلم يعتمد على قبيلته في الحكم، وكان يعتمد على الكفاءات فقط.
- منع الياسق تفخيم الألفاظ وتعظيم الأمراء ووضع الألقاب لكن كان الشعب يتحدث مع المسؤولين من السلطان إلى أقل موظف بأسماء مجردة في الوقت الذي كان الخلفاء العباسيين وحكام الدول التي اقتطعت من الخلافة العباسية يعظمون ويفخمون في ألقابهم.
- منع الياسق المسؤولين الاداريين من الربا ولغى من صلاحيتهم القبض على أي أحد وأوجب عليهم رفع الحالات الانسانية مباشرة إلى السلطان.
- ازالة أي تمييز بين التجار، وسمح لصغار التجار أن يعرضوا بضائعهم على القصر والسلطان نفسه.
- الياسق ألزم التتار على ألا يأكل أحد من الطعام الذي أمامه إلا إذا كان من قدمه الطعام أكل أولًا حتى ولو كان أسير أو خادم.
- ألزمهم ألا يأكل أحد وآخر يراه إلا ويشاركه الطعام.
- ألزمهم ألا يشبع احد من الطعام بمفرده.
- عفا الياسق فئات معينة من المؤنة والكلفة ( الضرائب ) وهم أولاد الامام علي بن ابي طالب والفقهاء، والفقراء، والأطباء، وأرباب العلوم، وأصحاب العبادة والزهد والمغسلين، اصحاب العبادة، المؤذنين.
- التتار الذين أبادوا طائفة كاملة من الشيعة التي هي طائفة الحشاشين وفي نفس الوقت يعفون نسل الامام علي من الضرائب لتأكيد أن الحرب ليست دينية وإنما من منطلق سياسي بحت.
المدن التي كان يحتلها التتار كانت تنتهي منها السرقة أو أعمال العنف ولا يمكن أن يعكر أحد صفو المجتمع نهائي.
قصص التزام التتار الحرفي في المدن المحتلة كثيرة وعجيبة، وفي بحثنا وجدنا أن هناك فتاوى من علماء المسلمين تكفر التحاكم لـ الياسق ما يعني أن كان هناك مسلمين يتحاكمون للياسق.
وفوجئنا أنه بعد اندحار التتار بعض حكام المماليك مثل الظاهر بيبرس كانوا يعتمدوا على قوانين وتوجيهات الياسق في بعض الأمور الإدارية لكن جنكيز خان لم يكن سفاح فقط بل كان فيلسوف ومفكر وصاحب منهج، وهذا تأكيد أن هذا ينطبق على دول المغول
والمدن التي خضعت لهم بدون حرب لكن الأمر كان يختلف مع دولة تباطئت في الاستجابة للمغول.
وفي نفس الوقت في المقابل في وسط آسيا الذي كان أغلبه تحت حكم الدولة الخوارزمية التي المفترض أنها دولة انسانية كان يحكمها علاء الدين محمد خوارزم شاه والذي يحارب السلاجقة والغوريين المسلمين لتأسيس دولته على أنقاض دول اسلامية أخرى، والسلاجقة من الناحية الأخرى يحاربون الخليفة العباسي والخوارزميين، والخليفة العباسي كان يحارب الخوارزميين ووصل أنه دعا التتار أنهم يضربوا الخوارزميين من الشرق وهو سيضربهم من الغرب.
في طريق تأسيس خوارزم شاه دولته أباد مدن سكانها مسلمين لينهبها ويضمها في حكمه، ومثلما يقول المؤرخ ابن الاثير أن ما فعله خوارزم شاه من ابادة في الحروب أو الدسائس فرغ شرق الدولة الاسلامية من طاقتها وتركها جاهزة لاحتلال التتار بمجرد أن يهزموا فقط خوارزم شاه محمد الذي كان يتميز بالخسة والندالة بعدما حكم وسط آسيا.
بموت جنكيز خان سنة 624 تم تقسيم مملكته بين ولاده الاربعة الذين حكموا الياسق في جميع حروبهم وفي عام 653 أسلم أول أمير مغولي وهو بركة خان وبمجرد أن تقلد الحكم في المملكة الغربية بدأ يطبق الشريعة الاسلامية وعمل تحالفات مع المماليك في مصر ضد اخوانه من التتار ليمنعهم من مهاجمة بغداد ونجح فعليا.
هولاكو يجتاح بغداد ويتزوج مسيحية اسمها طقز خاتون
لكن عام 656 تمكن هولاكو من دخول بغداد ويقتل الخليفة المستعصم وجميع سكان بغداد تقريبا، ومن هناك شكل هولاكو تحالف مغولي مسيحي ودمر جميع الدول الاسلامية في طريقه إلى مصر، ويقتل عدد كبير من المسلمين حتى وصل إلى فلسطين.
وفي عام 658 هـ خرج قطز بمواجهة جيش التتار الذي كان يقوته كتبغ خان في عين جالوت في فلسطين وتمت هزيمة التتار هزيمة كبيرة جدا في هذه الموقعة، وتراجعوا إلى العراق فقط وظلوا هناك منتظرين اللحظة المناسبة حتى كون اباقا خان ابن هولاكو تحالف مغولي مسيحي مرة أخرى وهاجم الدول الاسلامية مرة أخرى، وتصدى له السلطان قلاوون وهزمه هزيمة كبيرة في معركة حمص الثانية، وفي نفس السنة مات اباقا خان وتولى الحكم نيكولاس تيكودور الذي تحول من المسيحية نفسها إلى الاسلام وأسمى نفسه أحمد تيودور، وبمجرد تحوله بدأ يطبق أحكام الاسلام بالتدريج ويتخلى عن الياسق ويحاول يحسن علاقاته مع الدول الاسلامية.
فثار عليه التتار عام 683 وأعدموه وأوكلوا الحكم لابن أخيه اراغون وعاد يتحاكم لـ الياسق ويعادي المسلمين، واستمر الأمر كما هو تتوالى الملوك حتى جاء ملك اسمه غازان ابن اراغون وأسلم قبل أن يمسك الحكم على يد وزيره العالم الفارسي رشيد الدين فضل الله الذي كان مسلميا ومولود لأبوين يهوديين وأصدر قرار لأول مرة في تاريخ التتار بأن الدين الاسلامي هو الدين الرسمي للدولة وانفصل عن سلطة الخاقان الأعظم في الصين.
السلطان محمود كان نقطة فاصلة في تاريخ الياسق لأنه على عكس بركة خان، وأحمد تيكودور الذين اسلموا قبله ولأول مرة في تاريخ المسلمين جاء حاكم مسلم حكم الياسق بينهم وليست الشريعة الاسلامية.
وفي سنة 699 تحالف محمود غازان مع الأرمن المسيحيين وهاجم الشام ولكن بحجة مختلفة وهي أنه مسلم ويرى المماليك فاسدين وعصاة وهو يريد تخليص المسلمين من حكم المماليك وجيشه كان يحتوي على قاضي وإمام وشيخ ومؤذنين، وبالفعل تمكن السلطان محمود الانتصار على المماليك بقيادة الناصر محمد بن قلاوون في معركة وادي الخازندار ودمروا دمشق وقتلوا واغتصبوا سكانها ووصلوا إلى غزة، وموقف علماء المسلمين على رأسهم الشيخ ابن تيمية في البداية نصحوا السلطان محمود لكن بعد ذلك أفتى العلماء بوجوب قتاله لأنه يحكم الياسق وليس كتاب الله، وأرسل ابن تيمية رسالته الشهيرة إلى جميع الدول الاسلامية لقتال التتار وقال: " إلى يصل إليه من المؤمنين والمسلمين .. فإن عسكرهم مشتمل على أربع طوائف كافرة باقية على كفرها، وطائفة كانت مسلمة فارتدت عن الاسلام، وفيهم أيضا من كان كافرا فانتسب للاسلام ولم يلتزم بشريعته، وفيهم صنف رابع شر من هؤلاء وهم قوم ارتدوا عن شرائح الاسلام وبقوا مستمسكين بالانتساب إليه، وكلهم يجب قتالهم باجماع المسلمين حتىي لتزموا شرائع الاسلام وحتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله ".
واسترجع المسلمون دمشق وحلب من السلطان محمود والذي ظل يحاول مهاجمة حلب ودمشق حتى عام 702 حينما قرر أن يقوم بنفسه أن يخرج لمهاجمة دمشق ومرة أخرى نشر ابن تيمية فتواها بضرورة قتال التتار حتى إن ادعوا الاسلام، وخرج العلماء وعلى رأسهم ابن تيمية إلى حكام المسلمين لقتال التتار وعادوا إلى دمشق وحصنوا أسوارها وحمسوا أهلها وقال ابن تيمية مقولته المشهورة : إذا رأيتموني من ذلك الجانب يعني ( جانب التتار ) وعلى رأسي مصحف فاقتلوني، وبالفعل حدثت مواجهة بين السلطان محمود وحلفاءه الصليبيين من جهة والمماليك بقيادة السلطان المصري محمد بن قلاوون من الجهة الأخرى في معركة شقحب عام 702 وانتهت بهزيمة التتار هزيمة منكرة وانسحابهم لآخر مرة من دمشق وظلت دولتهم تضمحل بالتدريج حتى انتهت تماما.