حينما يتجاوز الرجل الثلاثينيات من عمره ويدخل الأربعينيات، نقول إنه الإنسان الناضج والكامل لا بل هو في ربيع عمره أما حينما تجتاز المرأة عتبة الثلاثينيات من عمرها نقول إنها دخلت خريف العمر وفاتها القطار, تناقض آخر لمنظومة أفكارنا ونظرتنا للأشياء نحدد عبره للمرأة قطاراً يتجاوزها في عمر معين لتصبح على قارعة الطريق فلا تجد في الحياة مشاركة أو تفاعل، بل تتحول إلى مشاهدة وحدث، فيقال عنها الكثير وتبقى محط استفهامات وتساؤلات ونظرات الجميع، أما الرجل فإنه القطار الذي يتجاوز كل القوانين بما فيها البيولوجية .
كلنا يعي إن العنوسة كانت ولازالت ظاهرة اجتماعية ولكنها تحولت إلى أزمة مستفحلة في مجتمعاتنا الشرقية, رغم الكم الهائل من الموروث الديني والثقافي الذي يعمل على منع ظهور هذه الظاهرة ولكن ثمة عادات وعقلية متخلفة وشروط شكلية كثيرة دخلت على الخط فغيرت مسارات كثيرة نحو الاتجاه المعاكس ، ويأتي السؤال :
هل من عمر زمني معين حتى يقال إن المرأة أصبحت عانساُ؟ ما هي العنوسة أساساً؟ ما هي أسبابها ونتائجها الإنسانية على صعيد الفرد وتأثيره بالتالي على عموم المجتمع؟
يقال عادة عن الفتاة التي تتأخر في السن دون زواج بأنها عانس عموماً ولا يمكن تحديد سن معينة لمرحلة العنوسة لاختلافها في المجتمعات حسب تكوينها الثقافي وعاداتها، هنالك شبه إجماع على اعتبار سن 35 وما بعدها سنا للعنوسة حيث تعيش الفتاة ظلال الحياة وظلها ناهيك عن تأثيراتها الحالة النفسية والاجتماعية والتي بدت أكثر من تأثيرات ظاهرة وسلبية في السنوات الأخيرة وذلك على خلفية أسباب وعوامل كثيرة .
أسباب العنوسة :
1- العامل الاقتصادي: حيث يعتبر هذا العامل جذر التأثير في أية علاقة إنسانية إن لم نقل انه المُحَدِد الأهم في شبكة العلاقات بين الأفراد والأمم والعامل الاقتصادي يؤثر في قرار الرجل من ناحية قدرته على تحمل مصاريف المهور العالية والقدرة على بناء عائلة وإنجاب الأطفال كذلك إرتفاع الأسعار على الصعيد العالمي وخاصة في مجتمعاتنا وبالتحديد أسعار الأراضي والبيوت والإيجارات والأثاث ضاعف من تأثير الجانب الاقتصادي برفع نسبة العنوسة .
2- العامل السياسي كالحروب والصراعات: تؤكد الإحصائيات إن عدد الولادات وبالذات الذكور يرتفع مع كل حرب تشهده البشرية في عملية طبيعية لحفظ التوازن الطبيعي للسكان وبالذات في مجال التوازن الجنسي وكذلك يرافق كل حرب انتشارا كبيرا لظاهرة العنوسة وخلق أشكال جديدة لها، فالحرب كونها أم الأزمات وبالذات الاقتصادية تخلق الجانب الاقتصادي وتبعد الشباب عن المجتمع إلى ساحات غير إنسانية تمارس فيها عمليات القتل المجاني الذي يؤدي إلى خلق الأرامل وهي أشكال جديدة للعنوسة، ويمكن اعتبار الحرب كونه امتداد عنفي للسياسة عامل مركب في خلق الظاهرة والأكثر وضوحا في ملاحظتها.
3-العامل الاجتماعي: يمكن اعتبار العامل الاجتماعي أحد الأسباب المؤثرة في شيوع الظاهرة فعلى سبيل المثال ظاهرة قيام الأسرة المصرية بتجهيز البنت للزواج وعدم قدرة العائلة على المصاريف يمثل أحد أسباب انتشار العنوسة في مصر وانتشار ظاهرة عدم تزويج البنت الصغرى قبل الكبيرة في المجتمعات العربية شكل آخر من أشكال المحددات الاجتماعية ويمكن اعتبار انتشار التعليم وإكمال المرأة لمستويات عليا من التعليم احد أسباب تأخر زواجها والغريب إن ارتفاع مستوى المرأة علميا ومهنيا يؤثر في تأخر زواجها في مجتمعاتنا .
علاج العنوسة :
1- خفض المهور: إن ارتفاع المهور تمثل المشكلة الأولى التي تواجه الشاب حينما يفكر بالزواج ويمكن للجهات المسئولة أن تسن القوانين التي تحد أو تحدد من ارتفاعها وان قيام أي إجراء بهذا الاتجاه يصب في تطبيق الأحاديث النبوية التي أكدت على ضرورة عدم المغالاة في المهور حيث قال النبي – صلى الله عليه وسلم ” أعظم النساء بركة أيسرهن مئونة “.
2- فكرة إنشاء صندوق الزواج: ودعم الدولة المادي لحفلات الزواج الجماعية مؤخرا بادرت بعض الفعاليات الاجتماعية إلى هذا النوع من الزواج لتخفيف أعباء الشباب حين الزواج، وبالتالي فتح الباب أمام هكذا مساهمات تدفع الشباب للزواج وتقلل نسبة العنوسة.
3- تحمل وسائل الإعلام لدورها: بتسليط الضوء على المشكلة ووضع الحلول العملية لها ونشر ثقافة الزواج وأهميته لتوفير الكثير من الاحتياجات الفطرية للنفس السوية بشكل سوي يتوافق مع القيم الدينية والأخلاقية والأعراف السليمة .
4- تقديم الرعاية النفسية والاجتماعية للعانس: خاصة إذا تعرضت لمشكلات مادية أو نفسية أو اجتماعية، مع مراعاة مشاعرها خاصة ومجتمعاتنا تعاني كثيراً من حساسية ظرف الفتاة التي تأخرت في الزواج والوضع هو أصعب بالنسبة لها حينما تكون دونما مورد مادي مستقل يقيها شر الأسئلة الكثيرة التي تؤثر على نفسيتها ومزاجها وحياتها عموماً .