هل يمكن أن يظل انطباع العالم عن إنسان أسيرا لملامح وجهه البارزة أم أن هنالك في أعماق كل إنسان منحة إلهية خالصة تنقل عنه للاّخرين شعورا بالجاذبية ،والحضور ،و تترقب جهدا خاصا في الكشف عنها يوما ؟
في حيرة بالغة يتطلع ملايين من البشر صباحا إلى المراّة ، ممن لا تشف قسماتهم عن جمال فتان للاّخرين وفقا للمعايير السائدة ،أمام المراّة يسقط هؤلاء ضحية لتساؤل مزعج :
كم سأحرز اليوم من انطباعات ساخرة لدى الاّخرين بتأثير نصيبي المتواضع من الجمال ؟
ثم تحاصرهم عبر الشاشات حملات تسويق انتهازية لمعاجين أسنان ، و كريمات لتصفيف الشعر ، و أدوية للحميات الغذائية تضع مثالية الأسنان ، و الشعر ، و الجسد عند مقاييس مستحيلة إذا ما تمت معاملتها إحصائيا لن نظفر إلا بنسبة ضئيلة من الأفراد تتمتع بتلك المقاييس ،أما إذا خضعت للتمحيص ، و التمعن من قبل المشاهد سيكتشف أن التدخلات الجرافيكية في إطلالة الموديل الإعلاني بلغت درجة محكمة من الخداع ، و بقدر ما تحمله تلك الحملات من تحريض شرس على الاستهلاك ، و قبول الموديل الإعلاني كنموذج سائد ، و متبع ، و من الواجبات المقدسة على أفراد المجتمع أن يحذو كل منهم حذوه ، بقدر ما ينبغي على هؤلاء الأفراد أن يتحلوا بمناعة الذات ضد التضليل ، و فرض العلامات التجارية الكبرى العملاقة لرؤى ، و تصورات معدة سلفا في اجتماعات أجهزة التسويق لديها لجني الأرباح الطائلة . ثمة حرب شرسة في أعماق كل إنسان بين صورته الذاتية النقية ، و بين صورته الدعائية التي تكيل بمكاييل سوق المستحضرات ، و الموديلات الإعلانية البراقة ، و شتى الضلالات التي تم تشكيلها لدى أفراد المجتمع عن قواعد الاستحسان ، و القبول.
كيف يمكن هزيمة شعور طارىء بالقبح عن طريق ما يقدمه لنا علم الإحصاء ؟
في التو اجتز باب منزلك إلى الشارع القريب منزوعا من أي تحيزات مسبقة لوثتك بها حملات الترويج ، ثم اسحب بحاسة الإبصار عينة عشوائية من المارة – اختلس التطلع دون إبداء فضول صارخ – قم باستدعاء الوجه المألوف لدعاية معاجين الأسنان و كريم التصفيف من الذكرة ،و اعقد مقارنة مع العينات المسحوبة ، في الغالب لن تصادف أي مطابقة تذكر بين العينات ، و الأيقونة الإعلانية رمز الكمال ،يمكن أن تظل الأسنان نظيفة ، خالية من التسوس ،لكن ليس شائعا أن تحتفظ ببياض أبدي ناصع ، و أن تصدر برقا خاطفا للأبصار كما في الإعلان إلا ببراعة استخدام برامج تعديل الفيديو ، و كذلك لا يمكن أن يحتفظ أي إنسان يعمل بكد طيلة 8 ساعات بشعر مصفف ، لامع دون بعثرة ، أو تناثر .
المعرفة الدقيقة دون تشويش الحملات تفعم روح الإنسان بالثقة ، و روح الإنسان الواثق تعكس في وجوه الاّخرين صورته الذاتية الثمينة ، و النقية ، و التي لا يمكن مطلقا ابتزازها بمعايير خارقة سنتها حرب تسويقية ضارية.
أيا كان لون العينين ، مهما كان الشعر مجعدا ، مهما تدرجت ألوان البشرة لا يمكن أن نغفل القوة التي فرضت هذا التنوع أمام مقاييس حصرية ، و مختلقة تروج لها حملات دعائية لماّرب شتى لا نجهلها حتما .
بداخل كل إنسان ما يحمله على أن يشع بصورته الأفضل ، فقط إذا ما واجه الحملات التي تستهدف جيبه بإشاعة الدونية بداخله بروح شجاعة تضع المقاييس الدعائية المطروحة ضمن واقع علمي ، إحصائي .