من لاعب كرة القدم المُحترف إلى عمدة إسطنبول إلى رئيس تركيا، ربما لا تجد طفلاً فضلاً عن رجلاً إلا وقد سمع عنه، ولد في 26 فبراير 1954 في إسطنبول، قضى طفولته المكبرة في محافظة ريزة على البحر الأسود ثم عاد مرة أخرى إلى إسطنبول وعمرهُ 13 عاماً، درس في مدارس "إمام خطيب" الإسلامية الدينية، ثم تخرج من كلية الاقتصاد والعلوم الإدارية في جامعة مرمرة، تميز أردوغان بالبساطة في العيش فقال في مناظرة تلفزيونية مع دنيز بايكال رئيس الحزب الجمهوري ما نصه " لم يكن أمامي غير بيع البطيخ والسميط في مرحلتي الابتدائية والإعدادية؛ كي أستطيع معاونة والدي وتوفير قسم من مصروفات تعليمي فقد كان والدي فقيرًا".
دخول المعترك السياسي:
انخرط أردوغان في سن مبكرة في حزب السلامة الوطنية الذي أسس عام 1972 بزعامة أربكان، وظل عضوا في حزبي الرفاه ثم الفضيلة اللذين شكلهما أربكان إثر موجات الحظر التي كانت تطال أحزابه، وفي عام 1985 أصبح أردوغان رئيسا لفرع حزب الرفاه الوطني في إسطنبول، وفي عام 1994 فاز برئاسة بلدية إسطنبول.
خلال فترة رئاسته بلدية إسطنبول حقق أردوغان إنجازات نوعية للمدينة، الأمر الذي أكسبه شعبية كبيرة في عموم تركيا، لكن هذه الشعبية لم تشفع له حينما خضع لإجراءات قضائية من قبل محكمة أمن الدولة في عام 1998 انتهت بسجنه بتهمة التحريض على الكراهية الدينية ومنعه من العمل في وظائف حكومية ومنها طبعا الترشيح للانتخابات العامة؟
منذ البداية أراد أردوغان أن يدفع عن نفسه أي شبهة باستمرار الصلة الأيديولوجية مع أربكان وتياره الإسلامي الذي أغضب المؤسسات العلمانية مرات عدة، فأعلن أن العدالة والتنمية سيحافظ على أسس النظام الجمهوري ولن يدخل في صدامات مع القوات المسلحة التركية وقال سنتبع سياسة واضحة ونشطة من أجل الوصول إلى الهدف الذي رسمه أتاتورك لإقامة المجتمع المتحضر والمعاصر في إطار القيم الإسلامية التي يؤمن بها 99% من مواطني تركيا.
في الوقت ذاته ألقى أردوغان بثقله باتجاه قبول تركيا في الاتحاد الأوروبي، لم يكن ذلك فقط لإقناع العلمانيين أنه ليس نسخة من أربكان، لكنه أدرك أيضا أن مثل هذه العضوية ستضع تركيا في فلك الديمقراطية الأوروبية التي ترفض أي دور للعسكر وتمنح الناس حرية التدين أو عدمه وهما أمران يمثلان ضربة قوية لجوهر النظام العلماني التركي الذي يمنح الجيش صلاحيات واسعة ويسيطر على التدين وأشكاله.
شخصية اردوغان:
المتابع لشخصية أردوغان من خلال خطاباته وأحاديثه الصحفية، ومجموعة مواقف وتصرّفات معلنة، يجد أن له "شخصية كاريزمية" منحته شعبية واسعة، تجاوزت حدود تركيا لتصل إلى العالمين العربي والإسلامي، أسهمت هذه الكاريزما في استقرار تركيا وإحداث رفاهية اقتصادية غير مسبوقة في تاريخ البلاد، واعتبر د. عبد العزيز بن عبد الله الأحمد، المشرف العام على مركز حلول للاستشارات والتدريب السعودي، أنه "من الشخصيات المحبّبة التي لها كاريزما خاصة بها، ويتميز بقدرته على توصيل المعاني بلغة الجسد"
ويرى البعض أن صفاته الجسدية (قامته الطويلة، وجسمه الفارع، وصوته الجهوري) تلعب دورا هاما في جذب الناس إليه، كما أنه ليس متحدثًا بارعًا فحسب لكنه مصغٍ جيد كذلك، شخصيته الشجاعة دفعته لتعيين مجموعة كبيرة من المحجبات داخل رئاسة البلدية، مثلما أعطى الفرصة للطرف الآخر دون خوف من النقد الإعلامي، مثلما لم يتردد في هدم منازل وفيلات لكبار الشخصيات، من بينهم فيلا الرئيس الراحل تورجوت أوزال؛ لأنها بُنيت مخالفة للقانون.
اردوغان وحرب غزة:
وقف اردوغان موقفاً بطولياً ضد العدوان الصهيوني على غزة ديسمبر 2010، فقد قام بجولة في الشرق الأوسط تحدث فيها إلى قادة الدول بشأن تلك القضية، وكان تفاعله واضحاً مما أقلق إسرائيل ووضع تركيا في موضع النقد أمام إسرائيل، وقال رجب أردوغان "إني متعاطف مع أهل غزة ".
جائزة الملك فيصل:
منحت المملكة العربية السعودية الرئيس التركي اردوغان جائزة الملك فيصل العالمية لخدمة الإسلام 2010، لقيامه بجهود بناءة في المناصب السياسية والإدارية التي تولاَّها، "ومن تلك المناصب أنه كان عمدة مدينة إسطنبول حيث حقَّق إنجازات رائدة في تطويرها. وبعد أن تولَّى رئاسة وزراء وطنه تركيا أصبح رجل دولة يشار بالبنان إلى نجاحاته الكبيرة ومواقفة العظيمة؛ وطنياً وإسلاميا وعالمياً". وقد تم منحه شهادة دكتوراة فخرية من جامعة أم القرى بمكة المكرمة في مجال خدمة الإسلام.
محاولة إنقلاب فاشلة:
قامت مجموعة من الجيش التركي بمحاولة الانقلاب العسكري وإسقاط حكومة العدالة والتنمية وذلك في 15 يوليو 2016، وسيطرت مؤقتا على محطة التلفزيون TRT الاولى وأعلنت تسلمها لزمام الحكم وفرض حالة الطوارئ. ولم يحظ الانقلاب بالتأييد وقد اعلنت كافة القوى السياسية ومنها المعارضة العلمانية رفضها لللانقلاب وبعدها ظهر الرئيس أردوغان في بث مباشر عن طريق تطبيق الهاتف المتحرك "فيس تايم - Face Time"، ودعا الشعب للتظاهر ضد الإنقلاب، فخرج الشعب في مظاهرات حاشدة، وقاموا بالقبض على مجموعة من قادة الانقلاب وفشل الإنقلاب في أقل من ثمانية ساعات وتم القبض على المشاركين به. بعدها وجه الرئيس أردوغان خطابا قال فيه جملته " أننا قمنا بشراء السلاح للدفاع عن أرضنا وليس حمله في وجه بعضنا كما فعل الانقلابيون ".
إن شخصية رجب اردوغان شخصية مُثيرة للإنتباه مُلهمة للكبار قبل الصغار، تُكتب عنها كتب التاريخ ويدرس سيرته الشباب، فقلًما تجد رجلاً إستطاع أن يحقق هذا المجد من الصفر عبر رحلة النحت في الصخر، نتفق أو نتختلف معه لكن مما لاشك فيه أنه شخصية جديرة بالإحترام.