إسمه محفور فى ذاكرة الناس ، كلما تجدد ذكره تجددت معه عزة الدين وقوته ، عندما تنظر إليه لا أُبالغ إن قلت أنك لا تصدق عقلك حينما تعلم أن هذا الرجل ذى الثمانين من عُمره ظل يُحارب الإيطاليين مدة أربعون سنه ،لا يكِل ولا يمِل ، وتمر السنوات ويزداد معاها صلابة وقوة . ظل يُقاوم المُحتل على كهولةِ حتى سقط واقفاً دون أن ينحني لإحد ، مثل هذا يصدق فيه قول المٌتنبي :
“لولا المشقةٌ ساد الناسُ كلهمٌ .. الجودُ يُفقِر والإقدام قتًالٌ”

الموُلِد والنشأة :
وُلد – عمر المختار محمد فرحات ابريدان امحمد مومن بوهديمه عبد الله – في البطنان ببرقة في الجبل الأخضر عام 1862 وقيل عام 1858 وكفله أبوه وعني بتربيته تربيةً إسلاميَّة حميدة مستمدة من تعاليم الحركة السنوسية القائمة على القران والسنة ، ولم يُعايش عمر المختار والده طويلًا، إذ حدث أن توفي والده وهو في طريقه إلى مدينة مكَّة لأداء فريضة الحج.

دخل عمر المُختار مدرسة القران الكريم بالزاوية ثم ألتحق بالمعهد الجغبوبي لينضم إلى طلبة العلم من أبناء أعمامه والقبائل الأخرى وحصد عمر المختار انتباه شيوخه في صباه، كما أظهر ذكاءً واضحًا، مما جعل شيوخه يهتمون به في معهد الجغبوب الذي كان منارة للعلم، وملتقى للعلماء والفقهاء والأدباء والمربين، الذين كانوا يشرفون على تربية وتعليم وإعداد المتفوقين من أبناء المسلمين ليعدّوهم لحمل رسالة الإسلام .

ومن أشهر شيوخه الذين تتلمذ على أيديهم، السيد الزروالي المغربي، والسيد الجواني، والعلامة فالح بن محمد بن عبد الله الظاهري المدني وغيرهم كثير، وشهدوا له بالنباهة ورجاحة العقل، ومتانة الخلق، وحب الدعوة، وكان يقوم بما عليه من واجبات عملية أسوة بزملائه الذين يؤدون أعمالاً مماثلة في ساعات معينة إلى جانب طلب العلم وكان مخلصًا في عمله متفانيًا في أداء ما عليه، ولم يعرف عنه زملاؤه أنه أجل عمل يومه إلى غده.

شجاعة عُمر المُختار :
لقد تربى عمر المختار في المسجد وعلى كتاب الله وسنة رسوله وتربت فيه الأخلاق الكريمة ومن أخلاقه التي تربى عليها خلق العزة والشجاعة، فلم يحن رأسه يومًا لأحد، وظل كالجبل الشامخ حتى لقي ربه شهيدًا. ومن المواقف التي تدل على عزته وشجاعته ما سطره الدكتور علي الصلابي أن عمر المُختار قد تقرر سفرهُ على رأس قافلة إلى السودان للتجارة بالقرب من السودان, قال بعض التجار الذين تعودوا المرور من هذا الطريق: إننا سنمر بعد وقت قصير بطريق وعر لا مسلك لنا غيره، ومن العادة -إلا في القليل النادر- يوجد فيه أسد ينتظر فريسته من القوافل التي تمر من هناك، وتعودت القوافل أن تترك له بعيرًا كما يترك الإنسان قطعة اللحم إلى الكلاب أو القطط، وتمر القوافل بسلام واقترح المتحدث أن يشترك الجميع في ثمن بعير هزيل ويتركونه للأسد عند خروجه، فرفض عمر المختار بشدة قائلاً ” إن الإتاوات التي كان يفرضها القوي منا على الضعيف بدون حق أبطلت، فكيف يصح لنا أن نعيد إعطاءها للحيوان؟! إنها علامة الهوان والمذلة، إننا سندفع الأسد بسلاحنا إذا ما اعترض طريقنا “

و ما كادت القافلة تدنو من الممر الضيق حتى خرج الأسد من مكانه الذي اتخذه على إحدى شرفات الممر، فقال أحد التجار وقد خاف من هول المنظر وارتعشت فرائصه من ذلك: أنا مستعد أتنازل عن بعير من بعائري، ولا تحاولوا مشاكسة الأسد، فانبرى عمر المختار ببندقيته وكانت من النوع اليوناني، ورمى الأسد بالرصاصة الأولى فأصابته ولكن في غير مقتل، واندفع الأسد يتهادى نحو القافلة، فرماه بأخرى فصرعته، وأصر عمر المختار على أن يسلخ جلده ليراه أصحاب القوافل، فكان له ما أراد .

شخصية المُختار العسكرية :
لم يسبق لعمر المختار أن تخرج من كلية حربية أو عسكرية ولم يتلق مهارته الحربية من جيش أو كلية، إنما تربى عمر المختار في ساحات المعارك والجهاد فسبق القادة العسكريين في ذلك، وكانت معارك المجاهد عُمر المُختار تعتمد على الكر والفر فلم يكن لديهم جيشًا نظاميا، وكانت حرب عصابات لأن المجاهدين لا يمتلكون نفس العتاد الذي يملكه المُحتل ولو واجهوهم في حرب لكانت وبالاً على المجاهدين لذا اعتمد عمر المختار في حربه على هذا النوع من المقاومة، ولقد خاض عُمر المُختار بهذا الأمر كما أورد الجنرال غرسياني في كتابه أنه التقى مع عُمر المُختار في مائتين وستين معركة خلال الثمانية عشر شهرًا ابتداء من حكمه في برقة إلى أن وقع عمر المختار أسيرًا وقد ثبت المجاهدون في حالتي الدفاع والهجوم .

لقد شهدت صحراء ليبيا المعارك التي خاضها عمر المختار وسطر عليها بدماء الشهداء أروع آيات العزة والجهاد، لقد كبد المجاهدون المحتلين خسائر لا تحصى في الأرواح والعتاد، وثبتوا أمام عدوهم مع أنهم لا يمتلكون سلاحًا كما يملك عدوهم من السلاح، لقد حارب عمر المختار الطائرة بسيفه حتى امتلك الخوف قلوبهم بمجرد سماع اسم عمر المختار. ومن معاركه التي خاضها مع الطليان المحتلين .

من كلمات عمر المختار:
لم يؤثر عن المجاهد عمر المختار غير أعماله الجهادية وما قام به ضد المحتل الإيطالي إلا أنه كانت له كلمات تدل على شخصيته، وعلى عظم النشأة التي نشأ عليه، وفي مقابلة له مع محمد أسد قال ” إننا نقاتل فقط لأن علينا أن نقاتل في سبيل ديننا وحريتنا حتى نطرد الغزاة أو نموت نحن، وليس لنا أن نختار غير ذلك “

وكانت له كلمات تدل على همته وعزيمته التي لم تعرف الضعف يومًا رغم السن التي وصل إليها، فقال في تحدٍّ لما دعي إلى التفاوض مع الطليان: (إننا حاربناكم ثماني عشرة سنة، ولا نزال بعون الله نحاربكم، ولن تنالوا منا بالتهديد) إلى أن يقول (لن أبرح الجبل الأخضر مدة حياتي، ولن يستريح الطليان حتى توارى لحيتي في التراب)
وعندما عرض عليه أن يترك ساحة الجهاد، ويسافر إلى الحج قال: (لن أذهب ولن أبرح هذه البقعة حتى يأتي رسل ربي، وإن ثواب الحج لا يفوق ثواب دفاعنا عن الوطن والدين والعقيدة )

إعدام عُمر المُختار:
بعد حياة حافلة بالجهاد ورغم كبر سنه امتن الله على عمر المختار بالشهادة، ولم يستطع أعداؤه قتله أثناء المعارك بل ما قتلوه إلا صبرًا بعد وقوعه في الأسر ، وحوكم عمر المختار أمام محكمة مشكلة من أعدائه ولم تكن له تهمة غير أنه كان يدافع عن بلده ودينه كأي رجل حر مسلم صاحب عزة ، لقد شكلوا له محكمة ليصدروا عليه حكمًا بالإعدام أمام أبناء بلدته . وفي يوم 16 من سبتمبر من صباح يوم الأربعاء من سنة 1931م عند الساعة التاسعة صباحًا نفذ الطليان في (سلوق) جنوب مدينة بنغازي حكم الإعدام شنقًا في شيخ الجهاد وأسد الجبل الأخضر بعد جهاد طويل و مرير .

مقالات متعلقة بـ : من هو عمر المختار .. أسد الصحراء

ألبرت آينشتاين‎

ألبرت آينشتاين‎

أبو علي بن الحسن بن الهيثم‎

أبو علي بن الحسن بن الهيثم‎

الثقافة والتعليم .. علاقة تكامل أم تنافر‎

الثقافة والتعليم .. علاقة تكامل أم تنافر‎

مفهوم الثقافة والتعليم‎

مفهوم الثقافة والتعليم‎

سمات التعليم فى مجتمعات مختلفة‎

سمات التعليم فى مجتمعات مختلفة‎

من هي ملالا يوسف زاي؟‎

من هي ملالا يوسف زاي؟‎

أفضل الجامعات في العالم‎

أفضل الجامعات في العالم‎

من هو أحمد زويل؟‎

من هو أحمد زويل؟‎

من أرنستو تشي جيفارا‎

من أرنستو تشي جيفارا‎

تصفح المزيد