مصر .. التي حباها الله وميزها بمكانة عظينة بين الأمم ، مصر التي شرفها الله بذكرها فيي كتابة العظيم ، مصر التي أثنى على النبي الكريم صلى الله عليه وسلم ، إنها حقاً دولة عظيمة وحُق لإهلها أن يفتخروا بالوجود فيها والعيش على أرضها ، فلا أجد وصفاً لها أفضل مما قاله أمير الشعراء أحمد شوقي :
وطني لو شُغلت بالخلد عنه نازعتني إليه في الخلد نفسي
مكانة مصر في القرآن الكريم:
قد ذكر الله تعالى مصر في أربعة مواضع في كتابه الكريم، وفي ذلك تشريف لها وتكريم، فقال جَلَّ من قائل ” وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ ” سورة يوسف ،وقال سبحانه ” ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ ” سورة يوسف ، وقال أصدق القائلين ” وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّآ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً ” سورة يونس ، وقال عز وجل قاصًّا قول فرعون ” أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي ” سورة الزخرف .
وذكرها سبحانه إشارة في مواضع عديدة تبلغ قُرابة الثلاثين، وذلك نحو قوله تعالى ” وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ ” سورة يوسف ، وقوله تعالى ” وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا ” سورة القصص ، وكقوله تعالى قاصًّا قول آل فرعون ” وَقَالَ الْمَلأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ ” سورة الأعراف ، وكقوله تعالى قاصًّا قول ناصح موسى عليه الصلاة والسلام ” وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ ” سورة القصص .
وقد وصف سبحانه وتعالى أرض مصر أحسن وصف، فقال ” كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ * كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِين ” سورة الدخان ، وقد وُصفت مصر في القرآن بأنها خزائن الأرض، فقال سبحانه قاصًّا قولَ يوسف عليه الصلاة والسلام ” قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ ” سورة يوسف ، وما ذلك إلا لكثرة خيراتها، وعظم غلاّتها، وجودة أرضها ، وقال الكندي: لا يُعلم بلد في أقطار الأرض أثنى الله تعالى عليه في القرآن بمثل هذا الثناء، ولا وصفه بمثل هذا الوصف، ولا شهد له بالكرم غير مصر .
مكانة مصر في سنة النبي صلى الله عليه وسلم:
لقد وصى رسولنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بأهل مصر خيرًا، فقال ” إذا افتتحتم مصر فاستوصوا بالقبط خيرًا؛ فإن لهم ذمة ورحمًا ” ، والرحم لأنّ أم إسماعيل وهاجر من القبط والصهر لأنّ مارية أم إبراهيم -رضي الله عنه- منهم، والذمة هي الحُرمة والأمان ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” اللهَ اللهَ في قبط مصر، فإنكم ستظهرون عليهم ويكونون لكم عدة وأعوانًا في سبيل الله ” وكل هذه الأحاديث صحيحة وإن دلت فإنما تدل على مكانة مصر عند النبي صلى الله عليه وسلم .
مكانة مصر الجغرافية:
إن مصر لها فضائل كثيرة ، فمنها أن فيها الوادي المقدس طوى، والجبل الذي كلم الله تعالى عليه موسى عليه الصلاة والسلام ، وفيها الجبل الذي تجلى الله -تعالى- له فانهد وصار دكًّا ، وهي المبوأ الصدق الذي أخبر الله تعالى عنه بقوله ” وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ ” قال القرطبي في تفسير المبوأ الصدق: أي منـزل صدق .
وقال عمرو بن العاص صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” ولاية مصر جامعة تعدل الخلافة ” ، فجعل كل بلاد الإسلام في كفة ومصر في كفة أخرى ، وقال الجاحظ: إن أهلها يستغنون عن كل بلد حتى لو ضُرب بينها وبين بلاد الدنيا سور، لغنيَ أهلها بما فيها عن سائر بلاد الدنيا ، وفي مصر جامع عمرو بن العاص صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أول جامع بُني في قارة إفريقيا، وقد ضبط قبلته جماعة كثيرة من الصحابة -رضي الله عنهم- قُدروا بثمانين رجلاً ، وفي مصر جامع الأزهر الذي له الفضل المشهور، ولشيوخه مواقف كثيرة جدًّا في نصرة الإسلام وأهله.
إن مصر ليست مجرد مكان يعيش الناسُ على أرضه وإنما هى أرض مباركة وأهلها أهل كرم وخُلق ، عاشت مصر طوال تاريخا حاضنة للدين الإسلامى مدافعه عنه ، قدمت العلماء والرموز والقادة ، فلا شك أنها دولة تستحق الأحترام والتقدير.
