صلاح الدين الأيوبي الحاكم المظفر بعدما انتصر في معركة حطين تمكن من أسر 230 من فرسان الهيكل وفرسان الاسبتارية الممقوتين، وسلمهم لرجال الدين المسلمين ومجددا عاملهم صلاح الدين وفق قوانين الحرب الاسلامية.

وحينما حان وقت معالجة أمر فرسان الهيكل وفرسان الاسبتارية كالعادة خيروا بين امرين الدخول إلى الاسلام أو القتل ولكونهم عناصر من الجيش رفضوا ذلك بالطبع.

تدمير جيش ملك القدس جي وفتح المجال إلى المسجد الأقصى

بعدما دمر صلاح الدين جيش ملك القدس جي فتح المجال إلى مدينة القدس والمسجد الأقصى بدون معارضة، وبعد شهرين تماما من نصره المدوي في حطين وصلت قوات صلاح الدين إلى خارج أسوار مدينة القدس.

في الداخل كان الجميع مرعوب لدرجة خشيت الأمهات على بناتهن بينما استعد الناس للموت أو الاسترقاق الذي لابد أن يحل عليهم.

ومرة أخرى تغلب موقف صلاح الدين على التوقعات، وقدم الرحمة، وسمح للصليبيين بالرحيل، وطلب الفدية وفقًا لجنس الفرد، وتم جمع تلك المبالغ المالية.

رحمة وقيم صلاح الدين الأيوبي في الحرب

ولم يعف عنهم وحسب بل منحوا الحرية من الاسترقاق بشرط أن يرحلوا من الأراضي المقدسة إلى الأبد، وعاد الكثيرون إلى أوروبا مع حكايات عن صلاح الدين، محارب مسلم يتمتع بمروءة أكثر من أي فارس أوروبي.

فهو أمر أسطوري وكأنه أمير بدائي إذا أردت أن تصفه بذلك شخص لم يكن مسيحي ولم يكن نصراني ولكنه كان يتمتع بالفضائل التي كانت تستحسنها المسيحية.

وصف علماء الغرب للقائد صلاح الدين

قال عنه روفن آميتاي، من الجامعة العبرية في القدس، إن صلاح الدين هو وريث قرون من التقدم في الحضارة السياسية والقانونية في العالم الاسلامي، حيث ارتكز في أخلاقه على الشريعة والتعليمات القانونية الاسلامية والتي تم التوصل إليها بشكل أساسي في القرن الثامن والتاسع والعاشر ميلاديا.

صلاح الدين يذاع صيته في اوروبا بالفارس النبيل

ولقد أصبح صلاح الدين في أوروبا نموذجا لشرف الفارس، ومتأخرًا حتى عام 1825م تمت الاشادة بمروءته في رواية السير والتر سكوت، الملحمة التاريخية عن الصليبيين "الطلسم".

ماذا فعل صلاح الدين بعدما استعاد مدينة القدس للمسلمين؟

1- في القدس شرع صلاح الدين بتطهير المواقع الاسلامية المقدسة بماء الورد.

2- التزاما بالتعاليم الاسلامية التي تنص على احترام اليهود والمسيحيين منح الحجاج حرية العبادة عند دفع ضريبة تعرف بالجزية.

3- عند تردد نداء الصلاة مجددا من منارات القدس كان يعرف صلاح الدين بعودة الصليبيين.

فهول هذا الحدث الكارثي للعالم المسيحي الغربي اقترن بموت البابا في ذلك الوقت بسبب الحزن كما يزعم. والبابا الجديد عندما تولى المهمة بدأ فورًا حملة صليبية جديدة لاسترجاع القدس.

حملة ريتشارد قلب الأسد على القدس ومحاربته صلاح الدين

ملك انجلترا ريتشارد الأول لبنى نداء البابا الجديد جريجوري الثامن فلقد كان محارب لا يعرف الخوف، واكتسب لاحقا لقب قلب الأسد.

وانضم ريتشارد إلى الصليبيين الذين حاصروا قلعة عكا الواقعة تحت سيطرة المسلمين لكن المحاصرين أنفسهم كانوا محاصرين أنفسهم من صلاح الدين.

كثير من المسيحيين أخلوا بالنذور التي قطعوها لصلاح الدين بأن يرحلوا عن الأراضي المقدسة للأبد، وفي مخيمهم انتشر المرض فلقد كان مكان قذرا رائحته كريهة، ومن الواضح أنه لم تكن لدى الصليبيين معايير النظافة نفسها التي كانت لدى المسلمين.

سياسة صلاح الدين مع حملة ريتشارد قلب الأسد

أصيب ريتشارد قلب الأسد نفسه بالمرض سريعًا، ومجددا يتغلب صلاح الدين على المسيحيين بإحسانه، بعد سماعه عن مرض ريتشارد أرسل هدايا من الفاكهة والماء.

كانت هناك أهداف سياسية معينة وراء ذلك فقد كان يرسل صلاح الدين رسالة واضحة للمسيحيين والصليبيين الذين أتوا إلى أرضه بأن الوضع كان تحت زمام سيطرته.

وبحلول ذلك الوقت كان مخيم الملك ريتشارد يعج بقصص عن مروءة صلاح الدين، لدرجة أنه حينما خطف رضيع مسيحي من قبل عبد مسلم حث الصليبيون الأم على مناشدة صلاح الدين مباشرة لعودته سالما.

وذهبت بالفعل إلى صلاح الدين وأمر بأن يتم البحث عن الطفل وجمع شمله مجددا مع أمه، فهذه القصة ليست أسطورية بل حقائق تاريخية.

فعل آخر هو الذي زاد شهرة صلاح الدين في أوروبا، حيث يصور على أنه كريم أو بشكل ايجابي يفي بوعوده دائمًا. لكن مروءة صلاح الدين كلفته الثمن غاليا في معركة عكا.

ريتشارد يأسر 3 آلاف من المسلمين ثم يذبحهم أثناء مفاوضته مع صلاح الدين

فبعد استرداده عافيته أحضر ريتشارد قلب الأسد قوات جديدة للهجوم الصليبي منهيا حصارهم الذي استمر عامين للقلعة الساحلية وأخذ ثلاثة آلاف أسير مسلم وعرض على صلاح الدين شروطا مقابل اطلاق سراحهم، بما في ذلك دفع فدية وإعادة الصليب الحقيقي.

ربما لاعتقاده أن ريتشارد سيظهر الرحمة لأسراه ماطل صلاح الدين بالمفاوضات لاحتكازه في عكا، وأدرك ريتشارد أن صلاح الدين هو الذي يبقيه سجينا في عكا لأنه كان برفقته ثلاثة آلاف أسير.

ما حدث بالطبع كان دراماتيكيا للغاية قاد ثلاثة آلاف أسير مسلم إلى حقول عكا وأمر بذبحهم، وبعد 13 يوما فقط من تحرك ريتشارد من عكا اشتبك الخصمان في معركة جديدة في غابات أرسوف شمال مدينة يافا.

معركة أرسوف بين صلاح الدين الأيوبي وريتشارد قلب الأسد

كالعادة كان ريتشارد في خضم القتال، ولكن حينما قتل حصان الملك الإنجليزي، ميثاق صلاح الدين يتغلب على رغبته في استغلال الفرصة، وبالرغم من وحشية الصليبيين في عكا لم يرسل صلاح الدين إلى ريتشارد حصانا بديلا وحسب بل أرسل له اثنين.

تصرف كاد أن يقود بالتأكيد إلى هزيمة صلاح الدين الساحقة، وكما قال لا يليق بالملك أن يقاتل على قدميه يعود ذلك لحقيقة أن صلاح الدين كان يتمتع بميثاق شرف حيث بقى ثابتا ونبيلا في خضم المعركة كما هو في وقت السلم.

أفكار ريتشارد عادت نحو القدس، وكان صلاح الدين يعرف أن نهاية اللعبة تقترب وقرر كسب الوقت.

صلاح الدين يفاوض ريتشارد عبر أخيه العادل ويحصن القدس من ناحية أخرى

تغيرت تكتيكات صلاح الدين بعد معركة أرسوف حيث ادرك أنه ليس بإمكانيه هزيمة ريتشارد على أرض المعركة، وبالرغم انه لم يقابل ريتشارد قط أرسل أخيه العادل الأيوبي وحثه على أن يخوض مفاوضات مع ريتشارد بقدر ما استغرق الوقت.

بينما أبقى العادل ريتشارد يتحدث استعد صلاح الدين للأسوأ، وتراجع إلى القدس حيث حصن المدينة وبدأ حقا لعبة انتظار ليرى كيف سيستجيب ريتشارد.

وبالرغم من جهود العادل المبذولة لاعاقته ازداد الضغط على ريتشارد ليتصرف، ففي انجلترا كان أخوه جون يهدد عرشه، وقام ريتشارد بحركة ووصل إلى شمال القدس مستعدا للهجوم، واستعد صلاح الدين لمواجهة عدوه.

وكانت القدس في ذلك الوقت ترمز إلى كل ما كان صلاح الدين يمثله فجمع جنوده الأوفياء حوله أولئك الذين خدموه لسنوات عديدة وشرح لهم بطريقة منطقية وبسيطة جدا أن عليهم القتال حتى الموت.

وكانت القدس تقع على مرمى ريتشارد لكن عرف قلب الأسد في ذلك الوقت أنه كان ينقصه رجال يحتاج إليهم.

ريتشارد يدرك أنه غير قادر على الاستيلاء على القدس من المسلمين

وأدرك ريتشارد أنه ليس بامكانه الاستيلاء على القدس لم يكن مسيطرا على الأراضي المحيطة على القدس، وهناك قصة شهيرة له وهو يحمل درعه قائلا لا أريد النظر إلى القدس لأنه لا يمكنني الاستيلاء على القدس من المسلمين ومن ثم يتراجع.

وأدرك ريتشارد أنه ينبغي عليه التفاوض في هدنة مع صلاح الدين من خلال العادل، وشروط معاهدة يافا عام 1292 هي أن تتم إعادة الصليب الحقيقي إلى الصليبيين، وأن يسمح للحجاج المسيحيين والمسلمين بزيارة القدس لآداء واجبهم تجاه مقدساتهم.

هدنة يافا بين صلاح الدين والصليبيين ووفاته عام 1293م

رحل ريتشارد عن الأراضي المقدسة وعاد إلى انجلترا بعد أشهر عديدة بعد رحلة شاقة إلى الوطن، مرهقا من المعركة تراجع صلاح الدين إلى دمشق حيث توفى في شهر مارس عام 1293 نابذًا إراقة الدماء.

خبر سلوك صلاح الدين النبيل المنبعث من عقيدته الاسلامية انتشر بعيدا وعلى نطاق واسع، فالشريعة الاسلامية تحدد بوضوح كيف يجب على المرء كيف يتعامل قبل المعركة وأثناءها وبعدها، ولا شك أبدا أن هذا أثر على صلاح الدين كثيرا وكان ينظر إلى ذلك من قبل أعداءه بطريقة إيجابية.

كان ينظر إلى صلاح الدين كخصم شريف ونزيه وجدير بالتقدير. وهذه الصورة تم التقاطها من قبل العالم الغربي.

فيتردد صدى إرث صلاح الدين من الرحمة والتعاطف في ساحة المعركة الحديثة في عصرنا هذا، وألهم العصور الوسطى للمروءة الأوروبية ويعتقد البعض أن تأثيره على المفاهيم الدولية في قوانين الحرب كاتفاقية جنيف مازال ظاهرا.

قوانين لم تؤثر عليها المسيحية وحسب بل أثر عليها صلاح الدين أيضًا بهدى الشريعة الإسلامية وسنة نبي الرحمة محمد صلى الله عليه وسلم.

يعني :

قراءة كُل مقالات الكاتب