سلطان العلماء، وبائع الملوك والأمراء، العالم الفذ، والشيخ العلامة، والمجتهد المطلق، شيخ الإسلام، وأحد الأئمة الأعلام، صاحب التصانيف النافعة، والمواقف السائرة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كبير الشافعية، المفتي الكبير، الشيخ عز الدين بن عبد العزيز بن عبد السلام بن أبي القاسم بن حسن بن محمد بن مهذب السلمي، المشهور بالعز بن عبد السلام.

المولد والنشأة:
وُلد سنة 577هـ بمدينة دمشق حاضرة الشام، وكانت وقتها قلب الإسلام النابض، وعاصمة الجهاد ضد الصليبين تحت حكم الناصر صلاح الدين الأيوبي، وكانت دمشق وقتها زاخرة بالعلماء والشيوخ والمجاهدين، وفي ذلك الجو العلمي والإيماني والجهادي نشأ الإمام العز بن عبد السلام، وبدأ في طلب العلم متأخرًا على خلاف عادة العلماء الكبار؛ فجلس إلى علماء الوقت بدمشق: مثل فخر الدين بن عساكر، وسيف الدين الآمدي، وابن الحافظ، وجعل يجتهد ويتبحر في العلوم، خاصة في الفقه الشافعي، حتى صار شيخ الشافعية في دمشق، وقد اشتهر بجودة ذهنه، وسلامة بحثه، ودقة فتواه .

مناقبه:
جمع الإمام العز بن عبد السلام بين العلم والعمل، فلقد كان مشهورًا بالزهد والورع وشدة التحري، ومحاربة البدع والمخالفات الشرعية، محترزًا عن مواطن الشبهات، آية من آيات الله في الصدع بالحق، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لا يهاب أحدًا في الله عز وجل، له كثير من المواقف المشهورة التي جلبت عليه كثيرًا من المتاعب والمحن، التي جعلته رأس العلماء وإمامهم في زمانه .

مواقفه مع الصالح إسماعيل:
أنكر على حاكم دمشق “الصالح إسماعيل” تحالفه مع الصليبيين  وتنازله لهم عن بعض المواقع، وسماحه للناس ببيع السلاح للإفرنج، فأفتى الشيخ بتحريم ذلك كله، وأعلن موقفه على المنبر، فأمر الحاكم بعزله واعتقاله، ثم رأى أن يستميله فأرسل إليه رسولاً يقول له: بينك وبين أن تعود إلى مناصبك وزيادة، أن تنكسر للسلطان وتُقَبِّل يده!. فقال الشيخ: “والله ما أرضاه أن يقبّل يدي، فضلاً عن أن أقبّل يده. يا قوم أنتم في واد، وأنا في واد، والحمد لله الذي عافاني مما ابتلاكم به“. فقال رسول الملك: قد رُسِمَ لي أن توافق على ما يُطْلَبُ منك، وإلا اعتقلتك فقال الشيخ: افعلوا ما بدا لكم.

مواقفه من نجم الدين أيوب:
ذكر السبكيّ في طبقاته أن الشيخ عز الدين طلع إلى السلطان في يوم عيد، إلى القلعة (في القاهرة) فشاهد العسكر مصطفّين بين يديه، والأمراء تقبّل الأرض أمامه! فالْتَفَتَ الشيخ إلى السلطان وناداه: يا أيوب، ما حُجّتك عند الله إذا قال لك: ألم أُبَوِّئ لك ملك مصر ثم تبيح الخمور؟ فقال: هل جرى ذلك؟ فقال: نعم، الحانة الفلانية تباع فيها الخمور وغيرها من المنكرات! فقال: يا شيخنا هذا من أيام أبي. فقال الشيخ: أنت من الذين يقولون: إنا وجدنا آباءنا على أُمّة وإنّا على آثارهم مقتدون؟

وقد أمر السلطان بإقفال الحانة فوراً. ثم سأل الشيخَ أحدُ تلامذته: أما خفتَ السلطان وأنت تخاطبه بهذا؟! فقال الشيخ: استحضرتُ هيبة الله تعالى فصار السلطان أمامي كالقطّ .

دورة في معركة المنصورة:
كان للعز بن عبد السلام دوراً بارزاً في معركة المنصورة حيث جاء إلى مصر مستاءً من خيانة حاكم دمشق، فراح يدعو إلى الجهاد ضد الصليبيين وضد التتار، وتعرضت مصر آنذاك إلى حملة صليبية جديدة سنة 647هـ = 1249م في جموع كبيرة، يقودها لويس التاسع ملك فرنسا، فاستولوا على دمياط ثم اتجهوا إلى القاهرة حتى وصلوا إلى المنصورة، حيث دارت معارك هُزم فيها الإفرنج وأُسِرَ لويس التاسع وكبار قواده، وحبسوا في دار ابن لقمان ، وكان العز في قلب هذه المعركة، اشترك فيها بلسانه ويده، وقد كانت حرباً شعبية في المقام الأول، قام فيها الشعب بدور بارز .

دورة في معركة عين جالوت:
ثم يأتي دورة الأكبر وأثره الأعظم فى معركة عين جالوت ،  التي لولا وجود العز فيها ما كان للمسلمين أن يقهروا التتار ، ما حدث أنه ما لما أراد قطز جمع الأموال من الشعب المصري وقتها حتى يتكمن من تكوين جيش قوي رفضت الملوك والأمراء أن يدفعوا مثل بقية العب ، وهنا تدخل سلطان العلماء العز بن عبد السلام وقال " إذا طرق العدو بلاد الإسلام وجب قتالهم، وجاز لكم أن تأخذوا من الرعية ما تستعينون به على جهادكم، بشرط ألا يبقى في بيت المال شيء، وبشرط أن يؤخذ كل ما لدى السلطان والأمراء من أموال وذهب وجواهر وحُليّ، ويقتصر الجند على سلاحهم ومركوبهم، ويتساووا والعامة".

وراح يعبّئ النفوس، ويشحنها بالإيمان، ويحرّض المؤمنين على القتال، وخرج الجيش من مصر على أكمل استعداد، وبلغوا بيسان في الوسط الشرقي من فلسطين في رمضان 658 هـ، واستمرّ الشيخ يُذكي روح العزيمة، ويذكّر بنصر الله، وعظيم فضل الجهاد والمجاهدين، ومكانة الشهيد عند الله. وكانت المعركة الهائلة التي حارب فيها جيش الإسلام تحت صيحات: “الله أكبر. واإسلاماه”، واندحر جيش التتار في عين جالوت .

بالجملة كانت حياة الشيخ العز بن عبد السلام عبارة عن سلسلة متواصلة من الصدع بالحق، والثبات على الدين، والتصدي للباطل، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، مما جعل حياة الشيخ مقترنة بالمحن والابتلاءات والتهديدات الدائمة، ومع ذلك لم يهادن ولم يداهن، ولم يتراجع، بل ثبات حتى الممات، لذلك استحق لقب سلطان العلماء .

مقالات متعلقة بـ : العز بن عبد السلام

ما هى الديمقراطية؟ .. النشأة و التعريف‎

ما هى الديمقراطية؟ .. النشأة و التعريف‎

محمد رشيد رضا‎

محمد رشيد رضا‎

هجرة الرسول إلى المدينة‎

هجرة الرسول إلى المدينة‎

من هو الإمام محمد بن إدريس الشافعي‎

من هو الإمام محمد بن إدريس الشافعي‎

ما هو زواج المتعة‎

ما هو زواج المتعة‎

ماذا تعرف عن الشيوعية‎

ماذا تعرف عن الشيوعية‎

من هو الإمام محمد عبده‎

من هو الإمام محمد عبده‎

العلمانية .. النشأة والتطور‎

العلمانية .. النشأة والتطور‎

الدين والدنيا واقع متلازم‎

الدين والدنيا واقع متلازم‎

تصفح المزيد