يتردد اسمه كثيراً فى الخطب ودروس العلم وربما عند عقد النكاح بين الزوجين، كتبه تملأ المكتبات، وأطروحاته تتلمذ عليها الأجيال، ومازل فقه الرجل وعلمه يسري بيننا حتى الان، إنه الإمام أبو حنيفة النعمان، أول الفقهاء الأربعة الذين أسسوا ووضعوا قواعد الفقة وشروط اللإستنباط والإطار الحاكم لكل هذا.

الموُلِد والنشأة:
ولد الإمام أبو حنيفة بالكوفة سنة 80 من الهجرة النبوية،أبوه هو ثابت بن النعمان بن زوطى بن ماه، نشأ أبو حنيفة بالكوفة وتربى بها، وعاش أكثر حياته فيها، متعلماً ومجادلاً ومعلماً ، كان أبو حنيفة من بيت غني وتجارة، فأبوه كان تاجراً وكان أبو حنيفة يتردد كثيراً على السوق غير مُهتم بالعلم.

التوجه لطلب العلم :
لما كان أبو حنيفة كثير التردد على السوق نصحة الإمام الشعبي بأن ينشغل بطلب العلم لما رأى فيه من فطنة وذكاء وهمة عالية ، فترك السوق وانشغل بالعلم ،وكانت حلقات العلم في ذلك العصر ثلاثة أنواع: حلقات للمذاكرة في أصول العقائد، وهذا ما كان يخوض فيه أهل الفرق المختلفة، وحلقات لمذاكرة الأحاديث النبوية وروايتها، وحلقات لاستنباط الفقه من الكتاب والسنة، والفتيا فيما يقع من الحوادث.
تثقف أبو حنيفة بالثقافة الإسلامية كلها التي كانت في عصره، فقد حفظ القرآن على قراءة عاصم، وعرف قدراً من الحديث، وقدراً من النحو والأدب والشعر، وجادل الفرق المختلفة في مسائل الاعتقاد وما يتصل به، وكان يرحل لهذه المناقشة إلى البصرة، وكان يمكث بها أحياناً سنةً لذلك الجدل، ثم انصرف بعد ذلك إلى الفقه، واتجه إلى دراسة الفتيا على المشايخ الكبار الذين كانوا في عصره، ولزم واحداً منهم، أخذ عنه وتخرج عليه، ولقد كانت الكوفة في عهده موطن فقهاء العراق، كما كانت البصرة موطن الفرق المختلفة ومن كانوا يخوضون في أصول الاعتقاد، وقد كانت تلك البيئة الفكرية لها أثرها في نفسه.

مذهب الإمام أبو حنيفة:
يتميز مذهب الإمام أبو حنيفة بالشمولية فقد إستقى من كل المشارب، فأخذ من القرآن الكريم والسنة النبوية ثم إجماع الصحابة ثم القياس ثم الإستحسان والعرف والعادة، وبذلك يكون فقه الإمام الأعظم قد حوى كل مصادر التشريع المعروفة والمُتفق عليها، وكان مذهب الإمام يتميز بالسهولة واليسر ومراعاة المقاصد الكلية ومصالح الناس.
إنتشار مذهب الإمام أبو حنيفة:
تُعتبر الكوفة هي موطن المذهب الحنفي فقد نشأ بها، ثم شاع من بعد ذلك وانتشر في أكثر البقاع الإسلامية، فكان في مصر والشام وبلاد الروم والعراق وما وراء النهر، ثم اجتاز الحدود فكان في الهند والصين، حيث لا منافس له ولا مزاحم، ويكاد أن يكون هو المنفرد في تلك الأصقاع إلى الآن.

وفاة الإمام أبو حنيفة:
وقف الإمام أبو حنيفة مع ثورة الإمام محمد النفس الزكية، وكان يجهر بمخالفة المنصور في غاياته عندما يستفتيه، وعندما دعاه أبو جعفر المنصور ليتولى القضاء امتنع، فطلب منه أن يكون قاضي القضاة فامتنع، فحبسه إلى أن توفي في بغداد سنة 150 هـ، ودُفن في مقبرة الخيزران في بغداد، وبني بجوار قبره جامع الإمام الأعظم عام 375 هـ .

من شمائل أبو حنيفة:
كان الإمام أبو حنيفة صاحب علم غزير، وقد شهد له العلماء بذلك، قال الإمام محمد بن إدريس الشافعي: " من أراد أن يتبحر في الفقه فهو عيال على أبي حنيفة، كان أبو حنيفة ممن وُفق له الفقه "
كان أبو حنيفة كثير العبادة، كثير قيام الله وكثير ختم القرآن، قال عنه يحيى بن نصر: «ربما ختم أبو حنيفة القرآن في رمضان ستين مرة» وقال عبد الله بن المبارك: «قدمت الكوفة فسألت عن أورع أهلها فقالوا: أبو حنيفة»
كان أبو حنيفة ضابطاً لنفسه، مستولياً على مشاعره، لا تعبث به الكلمات العارضة، ولا تبعده عن الحق العبارات النابية، وكان يقول: «اللهم من ضاق بنا صدره، فإن قلوبنا قد اتسعت له»
اتصف أبو حنيفة بقوة الشخصية، والنفوذ والمهابة، والتأثير في غيره بالاستهواء والجاذبية وقوة الروح، وقد وصف مجلس أبي حنيفة مع أصحابه معاصره مسعر بن كدام، فقال: «كانوا يتفرقون في حوائجهم بعد صلاة الغداة، ثم يجتمعون إليه فيجلس لهم، فمن سائل ومن مناظر، ويرفعون الأصوات لكثرة ما يحتج لهم، إن رجلاً يُسكن الله به هذه الأصوات لعظيمُ الشأن في الإسلام»

دنيا موسى:

قراءة كُل مقالات الكاتب